أنت في إمزورن إذن أنت حر

12 أغسطس 2025 22:51

أنت في إمزورن إذن أنت حر

هوية بريس – حسن المرابطي

اِعلم، أخي أختي، أن مبتغى الإنسان في هذه الحياة الزائلة هو أن يعيش حرا طليقا؛ وقد لا يختلف اثنان في أن شعار هذا العصر هو: “أنا حر، إذن أنا موجود”؛ وبالطبع، فقد تنوعت مفاهيم الحرية، حتى صار لكل فرد مفهومه الخاص للحرية من شدة ما اعتبر الكثيرون أن الحرية هي الحق في اعتقاد كل شيء وفعله دون أن يملك أحد الوصاية عليهم، ولا أن يلتزم بأي مذهب أو دين؛ لذلك، لم يكن من الغريب ظهور من يرفع شعار: “جسدي حريتي”، وغيرها من الشعارات التي توحي بأن الإنسان وصل درجة يعتقد فيها أنه حر في كل شيء، بما في ذلك الانقلاب حتى على الدين والعادات والتقاليد التي ما يتردد المرء في مخالفتها إلا بعد حسابات دقيقة وجرأة قل نظيرها.

وارتباطا بكل ما سبق من الكلام عن الحرية، فإن التأمل في حال مدينة إمزورن التابعة لإقليم الحسيمة، قد يجعل المرء يؤمن بأن منسوب الحرية بمفهومها السطحي، والذي يتوافق مع منطق بعض التعاريف العصرية لمفهوم الحرية، قد بلغ درجة متقدمة تُرشح المدينة لنيل المراتب الأولى وطنيا، ولما لا التنافس على التصنيف عالميا؛ بمعنى آخر، فإن حتى تلك المقولة الفرنسية التي تقول إن “الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر” لم تعد صالحة، لأن الحرية أصبحت تعني فعل أي شيء دون اعتبار الآخر الذي أمسى يشكل عائقا لها.

وعليه، حتى نضع القارئ في صلب الموضوع ونكتشف جميعا أن الحرية في إمزورن بلغت درجة قل نظيرها في البلدان الديموقراطية التي تدعي “زورا” التنزيل الأفضل لمفهوم الحرية، ومن بينها الدول الأوربية التي يعيش فيها ملايين من الجالية المغربية، لابد من إلقاء نظرة عامة على درجة التنظيم الذي تعرفه المدينة، لاسيما في فترة الصيف التي يتوافد عليها أبناء الجالية الذين تربوا في دول حديثة متشبعة بفكر الحرية والديموقراطية، فضلا عن المدينة التي تزخر بمؤسسات ومسؤولين من مختلف الأطياف يسهرون عن تحقيق كل الشروط في بناء مدينة حديثة تنعم بالحرية المطلقة، والتي طالما كانت حلم كل “حر” في هذا العالم؛ وبكل  تأكيد، كل فرد منا سيتساءل عن موقع سكان المدينة من كل هذا، والذين تعودوا رؤية مظاهر الحرية، حتى أن البعض صاروا يدعون إلى الانخراط في “الحرية” والتشجيع عليها، بعدما انتابهم الشعور بالوحدة والعزلة، والتي سترتقي إلى درجة الغُربة إن لم يستعجلوا مواكبة التيار.

ولعل هذه الحرية التي نتحدث عنها، ليست وليدة اللحظة، بل تراكمت أسبابها منذ سنوات، حتى أنه أينما وليت وجهك أبهرتك مظاهرها الخلابة؛ فكما نعلم أن مدينة إمزورن تعرضت للزلزال أكثر من مرة، كان أقواها سنة 2004، إلا أن المدينة عرفت بعدها توسعا عمرانيا غير متوقع، وانضافت إلى المدينة أحياء أوسع من المدينة المركز وذلك بشكل كله تطبيق لمبادئ “الحرية” الحديثة؛ حيث لا تجد بناية تشبه الأخرى، ولا بإمكانك، في كثير من الأحيان، توقع نهاية الأزقة أو عرضها، من شدة اقتناع الأشخاص ومعهم المسؤولين بحرية التصرف والبناء، حتى ظننا أن الذي بنى المدينة فيما مضى شخص معقد وصارم، لأنه حاول قدر الإمكان وضع نظام حدَّ من حرية التصرف في البناء وتحديد الأزقة.

وأما إن حاولنا فهم كيفية تسيير هذه “المدينة الحرة” فقد لا يكاد الواحد منا اكتشاف النمط المتبع، لكثرة الإبداع الذي عرفته، سواء في قطاع التجارة والخدمات ولا طريقة تنظيم السير والجولان؛ وذلك أنه أينما حللت وجدت أنشطة تجارية، وبعض الأحيان أنشطة حرفية، تمارس بكل “حرية”، في الشوارع والأرصفة، وفي الساحات، حتى ظن البعض أن فتح المحلات التجارية بشكل قانوني نوع من كبح “حرية” الفرد في تجارته، الأمر الذي “حرر” مجموعة من أصحاب المحلات من “العقد” وأبدعوا في المنافسة وأصبحوا من حيث لا يدرون “أحرارا” في ملئ الأرصفة والشوارع بالسلع والكراسي وغير ذلك؛ وهكذا صار قطاع التجارة والخدامات، وشعاره الأوحد المبدأ الاقتصادي المشهور: “دعه يعمل دعه يمر”، والذي طُبق بشكل كله “حرية”.

وفي نفس السياق، نجد أن مجال السير والجولان عرف “حرية” لا مثيل لها، قد تكون الأكثر مثالية مع باقي المجالات التي مرت معنا؛ حيث رُفع فيها شعار: “دعه يسير، دعه يتوقف”، لاسيما أن الجماعة المعنية بتنظيم السير والجولان من شدة إيمانها ب “الحرية” لم تقم منذ سنوات بتحيين مقررات السير والجولان؛ لذلك، صار الوقوف، والتوقف حتى، لا يحده قانون ولا قرار، أو قل بتعبير آخر: إن كل قانون يخص ذلك نُسخ بعد اعتماد “الحرية”؛ ولعل من شدة الحرية التي يتمتع بها السائقون في إمزورن، أمسى الالتزام بمدونة السير عائقا للحرية ومصدرة لها؛ بل هذه الحرية شملت حتى تنظيم الأعراس، بعدما صار نصب الخيام لا يفرق بين مفهوم الشارع الرئيسي أو الثانوي، ومركز المدينة أو ضواحيها، وهكذا صار الأمر إلى درجة أن توقع نصب خيام الأعراس في الطريق الوطنية يتطلب مزيدا من الإيمان ب “الحرية” لا غير، ولا يستبعد الاحتفال بذلك في السنوات المقبلة إن نحن تشبعنا أكثر ب “الحرية”؛ وأما تفجير المفرقعات بمختلف أنواعها صار أكثر “حرية” من ذي قبل، فلم نكد نفرق بين الثالثة زوالا أو ليلا، بل شوهد تفجيرها يوم الجمعة بالقرب من المسجد والإمام يتلو خطبة التسديد والتبليغ، ولعل كان ذلك من أجل إضفاء جمالية عليها.

وعلى سبيل الختام، نجد أنه هكذا صارت مختلف مظاهر الحرية عندنا، والتي شملت مجالات أخرى لا يتسع المقال لذكرها؛ إلا أن الأساس من كل هذا هو أن المرء ما إن يدخل إلى هذه المدينة حتى يشعر بالحرية، والذي يدعونا إلى إبداع “كوجيتو” جديد كما أبدع الفيلسوف ديكارت، ونقول: “أنت في إمزورن، إذن أنت حر”؛ لذلك، بما أنني في إمزورن، فأنا حر في كتابة هذه المقالة وبهذه الصيغة التي لم أعهد الكتابة بها، والتي أخذت بكل “حرية” في وصف الأمور بعيدا عن تعقيدات الالتزام بالمصطلحات ومفاهيمها؛ بل لا أستبعد أن هناك من يرى أن هذا الكوجيتو الجديد ينطبق على مدينته أو إقليمه، فكم استحضرت من مظاهر رأيتها في مدن أخرى، إلا أني تركت الحرية لسكانها في إبداع الأسلوب الأمثل، وهكذا.

اللهم ارزقنا المنطق والعمل به.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
13°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة