حسن الخلق وتزكية النفس: جوهر الإسلام

13 أغسطس 2025 02:33

هوية بريس – شريف السليماني

يُروى أن الفيلسوف والمفكر الفرنسي روجي غارودي، بعد اعتناقه الإسلام، قال عبارته الشهيرة: “الحمد لله الذي عرفني بالإسلام قبل أن أعرف المسلمين.” فقد أمضى سنوات طويلة في البحث عن الإسلام ودراسته من مصادره الأصلية، حتى اقتنع بأنه الدين الحق، فاعتنقه بكل وعي وإيمان.

وبعد إسلامه، قرر زيارة إحدى الدول الإسلامية، آملاً أن يجد الإسلام الذي قرأ عنه مطبقًا في أخلاق المسلمين وسلوكهم. لكنه تفاجأ بواقع مختلف تمامًا؛ إذ وجد الجهل، والظلم، والغش، والتسيّب الأخلاقي منتشرًا بين الناس، مما أصابه بخيبة أمل كبيرة. لقد قرأ عن الإسلام كدينٍ للعلم، والنظافة، والعدل، والأمانة، والرحمة، لكنه لم يجد هذه القيم منعكسة في سلوك المسلمين. ومن هنا جاءت مقولته الشهيرة التي تلخص الصدمة التي عاشها.

أزمة الأخلاق بين تعاليم الإسلام وسلوك المسلمين

إذا نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم، فسنجد أن الفجوة بين تعاليم الإسلام وأخلاق كثير من المسلمين واسعة جدًا. على سبيل المثال، تشير إحصائيات المكتب المركزي الهولندي للإحصاء لعام 2015 إلى أن نسبة المسلمين في هولندا لا تتجاوز 6٪ من إجمالي السكان، بينما يشكل المسلمون أكثر من 20٪ من مجموع السجناء، حيث يمثل المغاربة وحدهم أكثر من 10٪، والأتراك أكثر من 4٪.

هذه النسب تدعو إلى وقفة صادقة مع الذات: لماذا هذا التناقض الصارخ بين تعاليم الإسلام وسلوك بعض المسلمين؟ لماذا لم تنجح المجتمعات المسلمة في ترسيخ القيم الإسلامية في نفوس الشباب، لاسيما أن تعاليم الإسلام لو طُبقت كما ينبغي، لكانت سببًا في تهذيب النفوس وصلاح السلوك؟

المساجد والتربية الأخلاقية

قد يقول البعض إن هذه المشكلة تخص الشباب الذين لا يرتادون المساجد ولا يهتمون بأمور الدين، لكن السؤال الأهم: لماذا فشلنا في جذبهم إلى المساجد وتعليمهم قيم الإسلام الحقيقية؟ بل حتى بين رواد المساجد أنفسهم، نجد خصومات ومشاحنات تتنافى مع روح الإسلام، مما يضعف دور المسجد كمصدر للإصلاح الأخلاقي والاجتماعي.

حاجة المسلمين إلى القدوة الحسنة

لا يعني الحديث عن هذه المشاكل إنكار وجود مسلمين ذوي أخلاق عالية، بل على العكس، هناك نماذج مشرقة يجب أن نحتذي بها. نحن بحاجة إلى أن نكون مسلمين يمثلون الإسلام في أفعالهم قبل أقوالهم، وأن نجسد تعاليم الإسلام في حياتنا كما فعل نبينا محمد ﷺ الذي كان “خُلُقُهُ القُرآن” (رواه مسلم).

الإسلام والأخلاق: ارتباط لا ينفصل

الإسلام لم يكن مجرد عبادات ظاهرية بل هو دين الأخلاق أولًا. فقد قال النبي ﷺ: “إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه أحمد). وعندما سُئل عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: “تقوى الله وحسن الخلق” (رواه الترمذي).

لكن للأسف، في مجتمعاتنا أصبح مفهوم “الالتزام الديني” يُختزل في أداء العبادات فقط، بينما يُهمَل الجانب الأخلاقي. فليس من الصواب أن يُقال عن شخص إنه “ملتزم” فقط لأنه يؤدي الصلاة والصيام، بينما يعامل الناس بسوء. النبي ﷺ أكد أن حسن الخلق يعادل في أجره قيام الليل وصيام النهار، فقال: “إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” (رواه أبو داود).

كيف نرتقي بأخلاقنا؟

إذا كنا نريد تغيير واقع المسلمين، فالبداية يجب أن تكون من تزكية النفس وتهذيب الأخلاق. وربطها بتعاليم ديننا الحنيف لنحقق التقوى التي تجعلنا محبوبين عند الله وعند الناس.

قال الله تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا” (سورة الشمس: 9).

إن تحسين الأخلاق ليس رفاهية، بل هو ضرورة، خاصة في زمن أصبح فيه كثيرون ينظرون إلى المسلمين بسلبية. نحن بحاجة إلى أن نكون دعاة للإسلام بأخلاقنا قبل أن نكونه بأقوالنا. فهل نبدأ التغيير من أنفسنا؟

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
18°
19°
السبت
19°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة