حب الوطن… بين منابر الجمعة وواقع الناس المعاش

هوية بريس – شريف السليماني
كثير من خطب الجمعة في المغرب بعد قرار توحيد الخطبة أصبحت تكرر نفس المواضيع: حب الوطن والالتفاف حول رموزه.
لسنا ضد التذكير بذلك، لكن حين يصبح الأمر في كل جمعة، فقد يعطي انطباعًا عكسيًا وكأن هناك شكًّا في وطنيتنا.
حب الوطن لا يُغرس بالكلام فقط، بل بالعدل والكرامة وخدمات تحترم المواطن.
كيف نزرع الوطنية في النفوس، والمواطن يواجه الدفع “تحت الطاولة” في المستشفيات وعند شراء بيت أو شقة؟
—
حب الوطن… بين منابر الجمعة وواقع الناس المعاش
✍️ شريف السليماني
أنا الآن في المغرب لقضاء عطلتي الصيفية، وكخطيب جمعة من الطبيعي أن أهتم بما يُقال على المنابر ومواضيع الخطب.
وقد بدأت الكتابة والحديث عن هذا الموضوع منذ أن صدر قرار توحيد خطبة الجمعة في المغرب، حيث لاحظت أن التركيز المفرط على مواضيع المواطنة وحب الوطن والالتفاف حول العرش يتكرر في كثير من الخطب، حتى أصبح الأمر في كل جمعة تقريبًا.
ولست ضد التذكير بحب الوطن والالتفاف حول رموزه، ولكن ليكن ذلك بقدر، لأن الإفراط قد يجعل المستمع يشعر وكأن هناك شكًّا في وطنيته أو ولائه، أو كأنه متهم يحتاج لإثبات براءته كل أسبوع.
وقد عبّر لي أحدهم عن هذا الشعور قائلًا:
> “واش حنا بوليساريو؟ واش تيشكوا فالوطنية ديالنا؟”
المشكل أن حب الوطن لا يُغرس بالخطب فقط، بل بالممارسات التي تعزز الانتماء وتجعل المواطن يلمسه واقعًا.
على سبيل المثال:
اليوم قبل ذهابي إلى المسجد، التقيت شخصًا حكى لي أنه اصطحب زوجته إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية مستعجلة. ورغم أن لديه تأمينًا صحيًا، رفضت المصحة استقبالها قبل أن يدفع مبلغًا “كاش” تحت الطاولة!
قال لي: “المصحات كلها هكذا… الثمن الذي تحدده الدولة للعملية – مثل 8000 درهم – يُدفع عبر البنك، لكن لا بد أن تدفع مبلغًا إضافيًا غير مصرح به، يذهب جزء منه للطبيب وجزء لفلان وفلان… وإلا فلا عملية”.
ثم تساءل الرجل بمرارة:
> “ما فائدة التأمين والاقتطاعات إذا كنت مضطرًا للدفع في الخفاء؟”
وعلى ذكر الدفع “تحت الطاولة”، فالأمر لا يقتصر على المستشفيات فقط، بل يتكرر في مجالات أخرى، مثل شراء بيت أو شقة.
قد تجد في الوثائق أن ثمن الشقة 300.000 درهم، لكن عندما تسأل المشتري يخبرك أنه دفع 400.000 درهم، منها 300.000 “أبيض” مسجل رسميًا، و100.000 “أسود” خارج العقد.
وهنا يطرح السؤال نفسه: من المستفيد من الدعم الذي تقدمه الدولة لقطاع السكن؟
هل هو المواطن البسيط الذي يرهقه هذا العبء الإضافي؟ أم المنعش العقاري الذي يربح مرتين؛ مرة من الدعم، ومرة من المال الذي لا يصرّح به؟
وإذا أرادت الدولة حقًا تقوية حس المواطنة، فلا بد أن تبدأ بالقضاء على هذه الممارسات التي تضعف الثقة وتزرع الإحباط في النفوس.
كيف يمكن لخطبة، مهما بلغت فصاحتها، أن تزرع حب الوطن في قلوب الناس وهم يواجهون مثل هذه الممارسات؟
الوطنية ليست شعارات تُقال على المنابر، بل هي عدل وكرامة وخدمات تحترم المواطن… عندها فقط يصبح حب الوطن أمرًا طبيعيًا ومتجذرًا.
اللهم اجعلنا من الصادقين في حب أوطاننا، الساعين في خدمتها، المصلحين في مؤسساتها، المخلصين في أعمالنا، ولا تجعلنا ممن يرفعون الشعارات وينقضونها في الميدان.
واجعل منابر الجمعة منابر حق وإصلاح، تُقوّي الإيمان، وتبني الإنسان، وتغرس القيم التي ترفع الأوطان.
#شريف_السليماني
#خطبة_الجمعة
#حب_الوطن
#المغرب
#الكرامة



