هـمُ الـحرية الليبرالية على هامش دفاع أحمد عصيد عن الملحدة ابتسام لشگر!!

17 أغسطس 2025 16:39

هوية بريس – محمد الحسن وادي الرحمة

الحرية الليبرالية ليست إلا سرابًا خادعًا ينطلي على ذوي المعارف السطحية، الذين ارتضَوا أن يُنيبوا الغرب في التفكير عنهم، ومن أعجب المفارقات أن يكون هؤلاء المخدوعون بالغرب هم أنفسُهم أشدّ الناس تردادًا لشعارات التحرّر ونبذ التقليد، فإذا ما حاججتَهم في ماهية الحرية وضوابطها ومجالاتها، وجدتَهم يتحدثون عن وهمٍ لا يعرفون له كُنهًا ولا حدًّا، وقد انتهيتُ بعد مجالس عديدة مع بعض المنتسبين للتيار الليبرالي إلى خلاصة يقينية مفادها أن الحرية الليبرالية لا تخرج عن إحدى هاتين النتيجتين:

1) إمّا أن تنطلق من دعوى الحياد العقدي، فتصبح متناقضة مضطربة عند أول مراجعة جادة.

2) أو أن تنطلق من انحياز صريح، بإقصاء الأديان من ساحة الاعتبار، وحينئذٍ لا تكون إلا دينًا جديدًا ينصّب نفسه حَكَمًا على الأديان كلها ويقع في ذات المأخذ الذي طالما عابه على الأديان.

ولتقريب الصورة أستحضر واقعة من حوار جرى بيني وبين أحد الليبراليين، في سياق التعليق على موقف عصيد من مقاضاة ناشطة نسوية ملحدة أساءت إلى جناب الذات الإلهية.

قلت له: أرأيتَ لو أن رجلاً كتب اسم والدتك على قميصه وأتبعه شتمًا أو سخرية، فما موقفك منه.

قال غاضبًا: ذاك سلوك حيواني يجب أن يُقاضى صاحبه ويُعاقَب.

قلت: ولكنك بهذا تصادر على الحرية التي تزعم الدفاع عنها.

قال: الحرية ليست فوضى.

قلت: صدقتَ، ولكن أيّ فوضى يمكن أن يثيرها هذا الفعل.

قال: فيه إيذاء لمشاعر الناس.

قلت: فإذا كان الأمر كذلك، أفلا يكون ما فعلته تلك الملحدة إيذاءً لمشاعر مليار ونصف مسلم في العالم.

فسكت لحظة ثم قال بعد أن تجرّع الإلزام: العقوبة تقع على الإساءة للإنسان لأنه يتألم، أما الله فلا يتألم.

فقلت: إن الناس لو شتموا والدتك وهي في قبرها فذلك لا يخلو من حالين.

إمّا أن تقبل به ويقبل به المجتمع، فتصير الحرية فوضى لا حد لها وهو ما نفيته قبل قليل.

وإمّا أن ترفضه، وهنا أقول لك: إن والدتك لا تتألم لأنها ميتة، لكنك أنت تتألم، فالعبرة إذن بالأذى الذي يصيب الحيّ المتعلّق بالمُساء إليه لا بذات المُساء إليه إن كان لا يتأذى.

فقال: بعد أن تجرّع الإلزام مرة أخرى: غير أنّ إيذاء مشاعر الإنسان تجاه أمه لا يُشبه إيذاءه لمشاعر تقوم على إيمان وهمي، فإيمان المسلم بربه إيمان عاطفي، كالذي عند الهندوسي والمسيحي وغيرهما.

فقلت: هذه مصادرة على المطلوب، وأنازعك أصلًا في دعواك أنّ هذا الإيمان محض عاطفة بلا دليل، لكن دعنا من هذا الآن، وأسألك: أليست الليبرالية – وهي مرجعك الذي تُؤسّس عليه الحرية – تزعم الحياد العقدي، فكيف إذن مارستَ الوصاية هنا، وخرجتَ عن مقتضى الحياد، حتى صرتَ حَكَمًا على الأديان، تُخطّئ هذا وتُصحّح ذاك، وتُلزم الجميع برؤيتك أنت للوجود والحرية.
فانتهى النقاش إلى ما ذكرتُه آنفًا، أن الحرية الليبرالية إن بُنيت على الحياد العقدي عجزت عن الصمود أمام مقتضيات الواقع والممارسة، إلا أن نلتزم بلوازمها فتشيع الفوضى في المجتمع، وإن تخلّت عن الحياد صارت دينًا جديدًا ادّعى أولاً أنّه جاء بديلاً عن الوصاية الدينية ووعد بالحياد، ثم آل آخر الأمر إلى ما كان يعيبه على الأديان نفسها، وانظر مثلًا كيف أن المجتمع الليبرالي يُعاقِب على خطاب الكراهية تجاه فئة عرقية بحجّة أنّه يزرع الأذى في نفوس أفرادها، ثم لا يجد حرجًا في رفع العقوبة على خطاب الكراهية تجاه دين كامل بحجة، وهنا يظهر التناقض الفجّ في المنظومة الليبرالية، فهي تزعم أن “جرح المشاعر الدينية” غير معتبر، ثم تستثني الـ.يهـ.ود وتجعل جرح مشاعرهم معاقبًا عليه، فلم يعد مناط الحماية عندهم هو الحرية أو الضرر المباشر، بل الاعتبارات الانتقائية المؤكدة لما قلناه سلفًا.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
13°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة