طوطو و”الطرابيش الحمر”.. سخرية لاذعة تكشف واقعا مريرا

25 أغسطس 2025 20:13
طوطو

هوية بريس – علي حنين

أثارت تدوينة للدكتور مصطفى قرطاح، الأكاديمي والباحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، تفاعلًا واسعًا بعد أن وجّه نقدًا ساخرًا إلى مغني الراب المغربي الملقب بـ”طوطو”، معلقًا على حضوره اللافت في المهرجانات المغربية، ومقارنًا بين مكانته في المنصات الغنائية ومكانة الخطباء في المنابر الدينية.


وكتب الدكتور قرطاح على حسابه في فيسبوك قائلًا: “سيد طوطو، أجدني مدعوا إلى تهنئتكم على ما بلغتم من مجد ورفعة ومكانة مرموقة”، قبل أن يضيف ساخرًا أن الفنان حظي برعاية يحلم بها كثير ممن يرتدون “الجلباب الأبيض والطربوش الأحمر” دون أن ينالوا نفس الاهتمام الجماهيري.

في سياق التدوينة، اعتبر الأكاديمي أن طوطو “اعتلى المنبر ذاته الذي اعتلاه خطيب صلاة العيد”، حيث بشّر الأخير الناس بالحياة الطيبة، بينما نجح الفنان في “إسعاد الناس وتقريبها لهم” عبر الغناء والموسيقى، واصفًا المشهد بأنه يعكس “الاستثناء المغربي في التسامح الديني”.

ولم يتوقف قرطاح عند المقارنة بين الخطيب والفنان، بل مضى إلى القول إن صوت طوطو “حملته الريح إلى أقاصي المدينة”، في وقت لم يتمكّن فيه كثيرون من متابعة خطبة العيد بوضوح.

وأضاف بلهجة ناقدة ساخرة: “هل وضعت للخطيب شاشات تنقل صورته؟ الجواب: كلا… أما أنت سيد طوطو: فقد ملأت الشاشات بطلعتك البهية ووجهك الصبوح”.

علاوة على ذلك، نوّه الباحث إلى قوة شخصية طوطو وقدرته على فرض حضوره، حتى وهو يرتدي قميصًا كتب عليه “صلكوط”، معتبرًا ذلك رسالة في الصدق والوضوح، قائلا: “فمن شاء فليرض، ومن شاء فليسخط، وقافلتك تمشي”.

غير أن التدوينة لم تخلُ من نقد لاذع للوضع الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، حيث أوضح قرطاح أن احتفالات المهرجانات تُنسي الناس قضايا معقدة مثل “ضعف القدرة الشرائية، ارتفاع البطالة، تردي التعليم، حال المستشفيات، حجم الفساد، صور ضحايا زلزال الحوز، وما يجري في غزة من إبادة”. ومع ذلك – يضيف – يفضّل كثيرون الانغماس في أجواء الحفلات على مواجهة هذه التحديات.

وختم قرطاح منشوره بلهجة تحمل قدرًا من السخرية والمرارة، مهنئًا طوطو مرة أخرى، ومشيرًا إلى ازدواجية مواقف بعض المسؤولين الذين يشرفون على تنظيم المهرجانات، ثم يظهرون بعد أيام في المساجد والليالي الدينية، مؤكدين أنهم يقتدون بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

من جهته، دخل الدكتور خالد الصمدي، الأكاديمي والخبير التربوي المغربي، على خط النقاش، مؤكدًا أن ما نعيشه اليوم هو “عصر التفاهة والعبث واللامعنى”. وكتب الصمدي: “لا معنى لإصلاح مدونة الأسرة، ولا معنى لإصلاح التعليم، ولا معنى للمخطط الوطني للصحة، ولا معنى لإصلاح القضاء… ما دام الترخيص لهدم كل هذه الأوراش يتم جهارا في مهرجانات فضائح أخلاقية مفتوحة بترخيص رسمي ومقابل أموال طائلة”.

وأضاف الخبير التربوي بنبرة حازمة: “إننا نعيش مع كامل الأسف أقسى درجات العبث والتفاهة في وطن يحاول أن ينهض بصعوبة، وفي ظل ظروف دولية مقلقة ولا تبشر بخير”.

هذا التفاعل المتزايد من أصوات أكاديمية يعكس تنامي الانتقادات الموجهة إلى طبيعة المهرجانات التي تحتضن فنانين مثيرين للجدل، مقابل تراجع الاهتمام بالإصلاحات الكبرى التي ينتظرها المغاربة في مجالات التعليم والصحة والقضاء ومحاربة الفساد.

في المحصلة، تتجلّى أمامنا صورة مجتمع يُساق الناس فيه إلى ثقافة الإلهاء والتفاهة، حيث يُمَجَّد من يملأ الساحات ضجيجًا ويُحتفى بالقائمين على تسويق اللهو العابر، بينما تُهمَّش الكفاءات الحقيقية وتُقصى الأصوات الجادة التي تسعى إلى البناء والإصلاح.

إنّها مفارقة صارخة بين من يُكرَّس حضوره على منابر العبث والمجون باسم الثقافة والفن، ومن يُزاح عن المنابر العلمية والفكرية والدعوية، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى من يضيء الطريق ويذكّر بالقيم الأصيلة، لا إلى من يرسّخ الفراغ ويعمّق الغفلة.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة