من تجربتي كإمام وأب: وصايا للآباء مع بداية العام الدراسي

هوية بريس – شريف السليماني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأحبة الكرام،
بصفتي إماماً وخطيباً، وأباً، ومؤسساً لمدرسة تُعلِّم اللغة العربية والقرآن الكريم هنا في بلجيكا، أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه أبنائنا وأجيالنا. ففي المسجد قد يسمع الخطبة مئات، لكن حين نشارك الفكرة عبر منصات التواصل قد تصل إلى عشرات الآلاف؛ بل إن بعض المقالات والفيديوهات تجاوزت ثلاثين ألف مشاهدة في أيام قليلة. وهذا ما يدفعني لمشاركة هذه التوجيهات بمناسبة انطلاق السنة الدراسية الجديدة، رجاء أن تعمّ الفائدة.
– التوجيه الأول
المقياس الحقيقي لنجاح أبنائنا ليس مجرد الأرقام والنتائج، بل مقدار الجهد المبذول. فقد حضرتُ يوماً لقاءً مع معلمة ابني في هولندا، فسألتها عن النتيجة التي حصل عليها، فأجابتني بهدوء: “ليس المهم عندنا كم نال، بل الأهم: هل بذل جهداً؟”
وهذا هو المبدأ الذي يجب أن نؤمن به: الأبناء قدراتهم متفاوتة، وطاقاتهم مختلفة. المطلوب أن يبذل كل واحد وسعه، كما قال الله تعالى: “فاتقوا الله ما استطعتم” [التغابن: 16]. فإذا اجتهد ولم يُوفَّق، نسانده ونقف بجانبه، ولا نقارنه بغيره، ولا نحمّله ما لا يطيق.
– التوجيه الثاني
لا نحصر قيمة أبنائنا في نتائجهم الدراسية فقط. فقد يكون الابن أو البنت ضعيفاً في بعض المواد، لكن الله تعالى وهبه مهارات أخرى ثمينة: في التواصل، أو في الإبداع، أو في الرياضة، أو في الفنون، أو في مجالات عملية أخرى.
الطفل ليس مجرد أرقام في تقرير مدرسي، بل هو إنسان كامل له ميول وهوايات وقدرات متنوعة. ومن الخطأ أن نربط قيمته عندنا كآباء أو أمهات بدرجاته في المدرسة فقط. فالواجب أن نكتشف مواهبه، ونشجعه على تنميتها، حتى ينشأ واثقاً بنفسه، متوازناً في شخصيته.
– التوجيه الثالث
إياكم والانفعال العنيف عند صدور النتائج في نهاية السنة. فكثير من الآباء يغضبون ويصرخون، وربما يصل الأمر إلى الضرب أو الطرد من البيت! لكن ما الفائدة؟ السنة انتهت، والابن سيدخل عطلة ثم يبدأ سنة جديدة وكأن شيئاً لم يكن. أما الأثر الحقيقي فهو النفسي السلبي الذي يتركه غضب الوالدين في قلب الابن.
– التوجيه الرابع
الأسلوب الصحيح هو أن نستفيد من تقارير نهاية السنة عند بداية السنة الجديدة. نجلس مع أبنائنا في جو هادئ، ونراجع الملاحظات: ضعف في الاجتهاد، كثرة غياب، شغب، أو تأخر… ثم نضع أهدافاً منطقية قابلة للتحقيق. وكما يقال: من أراد أن يُطاع فليطلب ما يُستطاع.
وهنا سؤال للأولياء: هل ما زلتم محتفظين بتقارير نهاية السنة حول أبنائكم؟ هذه التقارير ليست أوراقاً عابرة، بل هي أساس ننطلق منه في بداية السنة لنصلح النقائص ونبني على نقاط القوة.
التوجيه الخامس (الوصية)
لا نغفل عن الأخلاق. فالعلم بلا خلق لا قيمة له. حدثني أحد الإخوة المشتغلين بالتعليم في بلجيكا أنه اطّلع على تقرير هذه السنة، وفيه أن حوالي خمسين تلميذاً صدر قرار بفصلهم نهائياً من المؤسسة، وأكثر من تسعين بالمئة منهم يحملون أسماء مسلمة! والسبب الأساسي: سوء السلوك.
فلننتبه: قد يكون الابن ذكياً ومجتهداً، لكنه يضيّع مستقبله بسبب سوء الخلق. فلا ينبغي أن نبرر دائماً بأن المشكلة عنصرية، فإذا تكررت الشكاوى من مدارس ومعلمين مختلفين، فالمشكلة عند الابن نفسه. علينا أن نساعده، ونلجأ لأهل الخبرة، للمعلمين، للأئمة، لكل من يعين على الإصلاح.
– التوجيه السادس
وما يجب ألا ننساه أننا حين نبذل الجهد والوقت والمال في تعليم أبنائنا وتربيتهم، فإننا نؤدي بذلك واجباً شرعياً وقانونياً، ونؤجر عليه عند الله عز وجل. فعلينا أن نصبر ونحتسب.
كما أن الإسلام أوصى بالجمع بين علوم الدنيا وعلوم الدين. خاصة للمسلمين في الغرب، فلا بد أن نعلم أبناءنا العربية والقرآن وأركان الإسلام والإيمان، ونربيهم على هويتهم الإسلامية. ويؤسف أن نجد شباباً في العشرين أو الثلاثين لا يعرفون من دينهم شيئاً. هنا تقع المسؤولية على الوالدين، الذين سيُسألون بين يدي الله. بل قد يكون الابن أو البنت خصماً لهم يوم القيامة، فيقول: “يا رب، والداي قصّرا في حقي، فلم يعلّماني ديني.”
– الخاتمة
فلنحرص -بارك الله فيكم- على أن نجمع لأبنائنا بين التفوق الدراسي وحسن الخلق، وبين علوم الدنيا وعلوم الدين. فبالعلم تُبنى العقول، وبالأخلاق تُبنى القلوب، وبالإيمان تُبنى الأرواح.
ونسأل الله أن يوفق أبناءنا وبناتنا للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخلق، وأن يجعلهم قرة أعين لنا في الدنيا والآخرة.



