شهرة الغناء والرقص أم التحصيل العلمي.. أي نموذج يُقدم للشباب المغربي؟

شهرة الغناء والرقص أم التحصيل العلمي.. أي نموذج يُقدم للشباب المغربي؟
هوية بريس – متابعات
في ظل التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجه المغرب اليوم، تتضح الحاجة الملحة لتربية الشباب على القيم والأخلاق، باعتبارها الدرع الأساسي لحماية الفرد والأسرة والمجتمع.
فالأسرة التي تهتز ركائزها بفعل انحراف أحد أقطابها، وخصوصا المرأة التي تمثل قطب رحى الأسرة وعمودها، يكون مصير المجتمع بأكمله معرضا للخطر. فالمرأة الواعية المتدينة والمثقفة هي الحصن الأمين للأسرة والمجتمع، وأي تقصير في حمايتها أو تعليمها ينعكس سلبا على أجيال كاملة.
ويشكل تصدير نماذج منحرفة من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تهديدا مباشرا للشباب المغربي، إذ نجد من أبرز هؤلاء المؤثرين والمغنين من يروجون لأفكار وأساليب حياة قائمة على الترف والسطحية واللامعنى، بعيدا عن العلم والعمل الجاد.
إن تقليد هذه الشخصيات ليس مجرد خيار شخصي، بل له انعكاسات اجتماعية خطيرة، لأنه يعزز قيما مضادة للتربية الصحيحة ويشجع على الانحراف والابتذال وتحصيل المال دون جهد ولا عناء.
ويبقى التساؤل المطروح.. هل النجاح في مجتمعنا المعاصر يقاس بالمظهر الجسدي وعمليات التجميل وزرع السليكون، أم بالتحصيل العلمي والمعرفة التي تخدم الفرد والأسرة والمجتمع؟
للأسف، وبفعل التأثير الإعلامي بعض الشباب أصبح يقدس المظاهر على حساب الجوهر، في حين أن الثقافة والفكر والفهم والدين تظل المبادئ الحقيقية التي تضمن الاستقرار الفردي والاجتماعي وتحقق تقدم المجتمع.
وقد أظهرت بعض الأحداث الأخيرة، مثل ما تم تداوله عبر قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي من مشاركات وتصريحات لكل من د.محمد طلال لحلو ود.يوسف العزوزي، أن المغرب زاخر بالطاقات والمواهب، لكن ما يتم إبرازه وتقديمه كنماذج هم من يستهدفون الثقافة والقيم والخلاق، ومن يسهمون في ضياع الشباب بين وهْم السهولة والسطحية ونسيان أهمية البناء المعرفي والقيمي.
الواقع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، بحسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط، يزيد الطين بلة، حيث أن 25 بالمائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة هم في وضع “لا عمل لا دراسة لا تكوين” أي 1.5 مليون شاب مغربي يوجد في هذا الوضع، ما يجعلهم فريسة سهلة لأي تأثير خارجي يروّج للسطحية والانحراف. ومن هنا تبرز مسؤولية الدولة والحكومة في وضع برامج واضحة لتربية الشباب على القيم، وتشجيع التحصيل العلمي، وتعزيز ثقافة العمل والإبداع، بدل الانبهار بالنماذج الزائفة التي تروّجها بعض وسائل الإعلام.
الأسرة، بدورها، تحتاج إلى دعم الدولة لضمان أن تكون التربية المبنية على القيم والأخلاق هي الأساس، وأن تحمي المرأة من الانحراف الذي قد يهدد الأسرة والمجتمع. فالمرأة المتدينة والمتثقفة تمثل الركيزة التي تحفظ توازن الأسرة وتعيد الهوية الوطنية.
كما أن الإعلام عليه مسؤولية كبيرة في نشر نماذج ناجحة حقيقية، تعتمد العلم والعمل، وليس المظاهر الفارغة والشهرة الزائفة. فالظهور الإعلامي لشخصيات سطحية، سواء على الصفحات أو في الفيديوهات، يعمّق الأزمة الأخلاقية ويبعد الشباب عن القيم الأصيلة ويعزز ثقافة الانحراف. يجب مراقبة محتوى منصات التواصل الاجتماعي للتأكد من حماية الشباب من نماذج منحرفة تدفعهم للابتعاد عن القيم والدين والعمل الجاد.
أمام هذا الواقع، يصبح السؤال محوريا: هل سنترك شبابنا فريسة للسطحية والمظاهر الزائفة، أم سنعيد لهم ثقافة العلم والقيم والتدين والعمل الصادق؟ مسؤولية الدولة هنا لا يمكن تجاهلها، فهي مدعوة إلى وضع استراتيجيات شاملة لتربية الشباب، ودعم الأسرة، وضمان بيئة إعلامية تحترم القيم والأخلاق، وتمنع الانحدار الأخلاقي الذي يهدد الهوية الوطنية والمجتمع بأسره.
إن المستقبل المغربي يعتمد على شباب متسلح بالعلم والمعرفة والفكر والقيم، قادر على خدمة الأسرة والمجتمع والوطن. ومن يفرّط في هذا الواجب اليوم، يضع المجتمع كله أمام أزمات لا يمكن تداركها غدا، فالنجاح الحقيقي ليس في المظاهر، بل في العقل والعمل الصالح، والقدرة على البناء والتأثير الإيجابي في المجتمع.



