العنف المدرسي ومواقع التواصل الاجتماعي

04 سبتمبر 2025 19:35
الموسم الدراسي

العنف المدرسي ومواقع التواصل الاجتماعي

هوية بريس – عصام العيون (أستاذ الثانوي التأهيلي)

هل تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي على المراهقين بشكل سلبي مما ينمي ظاهرة العنف المدرسي؟

الجواب للأسف هو نعم. فلا يختلف عاقلان أن الثورة الالكترونية التي حدثت في السنوات الأخيرة كان لها آثار سلبية بالموازاة مع إيجابياتها المفترضة وإذا كان المغرب مرتب في مصاف الدول الأكثر استعمالا للإنترنت ومحركات البحث الذكي  (الذكاء الاصطناعي) على مستوى العالم الثالث -على الأقل- فذلك راجع من دون شك لقاعدته الشبابية العريضة التي تمثل 32% من سكان البلد.

ولكن هل هذا الاستعمال يصب في كل ما هو مفيد لتخليق الحياة العامة وتطوير المجتمع اقتصاديا وثقافيا وتكنولوجيا؟

الحقيقة غير ذلك فجماهير الشباب ومستعملي الانترنت عموما يكاد ينحصر اهتمامهم بوسائل التواصل الاجتماعي في شقها السطحي الذي يكرس الرداءة والتفاهة ويطبع مع سلوكيات مشينة تتعارض مع قيم المجتمع وتقاليده

الشيء الذي سيُظهر آثاره الوخيمة على كل مناحي الحياة بما فيها المناخ الدراسي وأجواء التربية والتعليم سواء داخل المؤسسات أو بمحيطها…فضلا عن الاسرة وداخل البيت..

أصبح مراهق اليوم مرهونا نفسيا وشعوريا بما يقدمه له العالم الافتراضي من مناهج مبتذلة للتفكير والتربية والسلوك حتى على مستوى القدوات خلقت وسائل التواصل الاجتماعي نماذج مؤثرة جديدة بعيدة عن المألوف فلم يعد القدوة هو الأستاذ والمفكر والطبيب والمهندس والمبتكر بقدر ما أصبح إنسانا بسيطا تافها وجاهلا أحيانا كثيرة يقدم محتوى فارغا يتجه للنمينة والتشهير أو الحديث الشعبوي السطحي التافه أو حتى استعراض المفاتن لشد الانتباه وجلب المتابعين كما تفعل بعض الإناث…

انحدر مستوى القدوة لمنحى خطير جدا تميع معه الذوق وتبلدت فيه الأذهان ، والمراهق الذي نشأ مع وجود هذه التكنولوجيا هو في الحقيقية ضحية كبيرة لهذا السفه والمسؤولية تجاهه مشتركة من كل الأطراف…مسؤلين وأسرة ومدرسة.

مستويات العنف في المدارس المغربية في تصاعد مستمرة كما تؤكد الوقائع والإحصاءات سواء التي ترصدها الوزارة المعنية أو تلك التي تظهر بين أروقة المحاكم فضلا عن التي يتم احتواؤها داخل المؤسسات ولم يعد عنف التلميذ المراهق ضد الأستاذ موجها بشكل فردي وخاص بقدر ما أمسى له بعد “فضائحي” تتدخل في المواقع الإلكترونية مما يشيع نوعا من مشاعر الحقد والتبخيس نحو المعلم ويحقر رمزيته داخل المجتمع.

تقدم محتويات “الريلز” والمشاهد المصورة وحتى المجموعات وبعض الصفحات أفكارا خطيرة تقلل من دور الاستاذ وتبث دعوات متطرفة أحيانا للتحدي والنيل من شخصه وعرقلة عمله داخل القسم لبدء جو من الفكاهة والعبث وتصوير ذلك للتسلية أو للتشهير بغض النظر عن أية قوانين داخلية للمؤسسات و للحياة المدرسية ، الأمر الذي يعرقل العملية التعليمية ويُدخل الأستاذ في دوامة من الاحتراق النفسي والمهني تنعكس على أدائه التربوي لامحالة.

أيضا الضغط النفسي الذي أصبح يتعرض له المراهق بفعل عيشه في عالم افتراضي يظن تفاصيله حقيقة يجب أن يعيشها ويخوض تجاربها…عالم مادي جشع يرفض الجد والاجتهاد ويشجع على الكسل والتواكل وتحري طرق الغنى السريع…

من جهة أخرى تساهم بعض المذكرات الوزارية (مذكرة البستنة على سبيل المثال) في تفاقم هذا العنف لكونها غير قادرة على معالجة الظاهرة بشكل جذري وشجاع باتخاذ مقاربات أكثر واقعية وشمولية للحد من الاستهتار والعبث بكرامة المربي عوض تحميله أعباء إضافية فوق طاقته.

وإذا اتفقنا أن التلميذ المراهق في جميع حالاته هو ضحية لسنوات من سياساتٍ تعليمية قاصرة وضحية لمجتمع يعاني من أجل إرساء أسس الوعي والتحضر لدى مواطنيه فذلك لا يمنعنا من اقتراح حلول بسيطة سيكون لها الوقع الإيجابي في التقليل من مظاهر العنف داخل المؤسسات…

والمسؤولية كما أسلفتُ مشتركة بين كل المتدخلين وعلى رأسهم الأسرة التي يجب أن تكون أكثر حرصا وحزما في موضوع منح أبنائها المراهقين هواتف ذكية في سن مبكرة أو على الأقل مراقبة المحتويات التي يتابعها أبناؤهم وتحديد أوقات معينة لا يجب أن يتجاوزوها كل يوم.

توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال  من خلال تقريرها المنجز سنة 2017 بأن يمنع  الأطفال من سن 6 إلى سن  12 من الأجهزة الذكية على اختلافها ماعدا التلفاز بمعدل ساعتين يوميا على الأكثر على الا يتجاوز المراهقون من سن 13 إلى 18 ساعتين على الأكثر يوميا من التصفح على هواتفهم الذكية نصف ساعة مخصصة منها للألعاب الإلكترونية.

أيضا يجب أن تحرص الدولة ممثلة في وزارة الاعلام ووزارة التربية وغيرها من الجهات على إكساب الآباء وعيا تربويا تجاه أبنائهم المراهقين من خلال برامج مصورة بشكل دوري تبين خطر الإدمان على الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي ومخاطر التحرش بهم واستغلالهم جنسيا وفكريا

من جهة أخرى على الوزارة الوصية وضع مذكرات أكثر صرامة في التعامل مع حيازة الهواتف الذكية داخل المؤسسات بشكل عام والعنف ضد الآخر سواء أكان تلميذا أو أستاذا أو إداريا بشكل خاص وإرجاع الهيبة للمؤسسة التربوية.

بالموازاة مع كل هذا من الضروري خلق تواصل فعال وإيجابي مع التلميذ المراهق داخل الأقسام حول التكنولوجيا الرقمية سلبياتها وإيجابياتها من خلال أنشطة دورية وإلزامية تشركه في فهم ذاته و واقعه ومصيره وتوجهه لحسن استغلالها بشكل مفيد بما ينفعه في مساره الدراسي والعملي على السواء.

تعتبر علاقة وسائل التواصل الاجتماعي بالعنف المدرسي لدى المراهقين في المغرب موضوعًا يستدعي الاهتمام والبحث من خلال تعزيز الوعي والدعم النفسي وتنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يمكننا العمل على تقليل العنف المدرسي وتعزيز بيئة مدرسية آمنة ومحترمة للجميع.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
19°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة