الانتخابات التشريعية في المغرب: لماذا تتسول الأحزاب الدولة؟

05 سبتمبر 2025 10:25

الانتخابات التشريعية في المغرب: لماذا تتسول الأحزاب الدولة؟

هوية بريس – بلال التليدي

شهر مر على اللقاء التشاوري الذي عقده وزير الداخلية مع ممثلي الأحزاب بشأن الإعداد للأجندة القانونية الانتخابية، وهو فترة كافية لكي تقدم الأحزاب السياسية مقترحاتها، ويبدأ التشاور الفعلي حول التقطيع الانتخابي، ونظام الاقتراع، والقاسم الانتخابي المعتمد في نظام اللائحة، وجملة الضمانات التي تعزز نزاهة العملية الانتخابية، هذا فضلا عن استعمال وسائل الإعلام في الحملة الانتخابية.

الأحزاب التي تعتمد بالأساس على الأعيان، لم تبد إلى الساعة أي مقترح، ولم تخض أي نقاش يبين تصورها للعملية الانتخابية، والتعليل بسيط، فهذه الأحزاب، ليست معنية إلا بشيء واحد، هو ألا تتم محاربة ظاهرة الترحال السياسي، فهذا المطلب، كاف بالنسبة إليها لخوض الاستحقاقات الانتخابية، لأن جوادها الرابح هم الأعيان الذين يمتلكون القدرة على تعبئة الناخبين باستعمال جملة أدوات قبلية وعشائرية ومالية ومصلحية، وهي بالمناسبة، ليست سعيدة بفكرة الضمانات القانونية لنزاهة الانتخابات، سواء على مستوى محاربة شراء الذمم، أم على مستوى تخفيض مكاتب التصويت وتأمين تغطية شاملة لممثلي الأحزاب في هذه المكاتب، وتسليمهم المحاضر، بل هي غير معنية بنفس درجة الأحزاب الوطنية الإصلاحية، بفكرة تمكين الأحزاب من قسط أوفر في وسائل الإعلام العمومية، لأنها تدرك أن خطابها لا يؤثر على المواطنين، بالقدر الذي يؤثر فيه حضور الأعيان في ماكينتها الانتخابية.

المثير للانتباه هذه المرة، أن الأحزاب الإصلاحية، التي بادرت إلى عرض بعض مقترحاتها، ركزت كثيرا على فكرة تعزيز تمثيلية النساء والشباب عبر الاستمرار في استعمال آلية الكوتا بالنسبة إلى النساء، والمطالبة بعودتها بالنسبة إلى الشباب، وزيادة الدعم المالي المقدم من الدولة إلى الأحزاب لتمكينها من خوض الحملة الانتخابية، وتوسيع ودمقرطة الوعاء الزمني المخصص لتدخلات الأحزاب في وسائل الإعلام العمومية.

الأحزاب الوطنية الإصلاحية ركزت أيضا على نظام الاقتراع باللائحة، وضرورة مراجعة القاسم الانتخابي غير العادل، والذي يوجه أساسا لتخفيض شعبيتها ومقاعدها في المجال الحضري، كما طالبت بتخفيض مكاتب التصويت حتى تتمكن من تغطيتها بممثليها لتكون لها ضمانة بعدم التدخل في نتائج الانتخابات.

تبدو هذه المقترحات ذات علاقة بضمان أقصى حد من ضمانات نزاهة العملية الانتخابية، فالاقتراعات السابقة بينت أن المشكلة تكمن في اعتماد نظام لائحة فاقد لفاعليته الديمقراطية بسبب اعتماد قاسم انتخابي غير عادل، وفي تفريخ مكاتب التصويت بالشكل الذي يجعل من المستحيل على الأحزاب ضمان تمثيلية شاملة لها فيها، وهي في الجوهر ترى أنها الأكثر إفادة من نظام الكوتا سواء في لائحة النساء أو لائحة الشباب.

لكن التأمل في هذه المطالب، يبين أن الأحزاب الوطنية الإصلاحية نفسها غير جاهزة، وتراهن بشكل أو بآخر على مساعدة الدولة لها، أو بالأحرى تتسول الدولة حتى يكون نظام الاقتراع بكل حيثياته خادما لها.

يبدو الأمر أكثر وضوحا في المطالبة بتعزيز تمثيلية النساء والشباب باعتماد نظام الكوتا، الذي اعتمد في عهد الملك محمد السادس كآلية بيداغوجية وسياسية، تؤهل النساء والشباب وترفع من قدراتهم القيادية، وفي الآن ذاته، توطن في العقل الحزبي فكرة إعطاء حيز مهم لهاتين الفئتين في البنيات التنظيمية، من غير حاجة إلى اشتراطات قانونية.

اليوم، وبعد مضي أكثر من عشرين سنة، على الأخص بالنسبة إلى الكوتا النسائية، يتبين بأن الهدف لم يتحقق، وأنه في غياب نظام الكوتا، لا أحد يضمن أن ترشح الأحزاب السياسية هذه الفئات، وتضمن لها تمثيلية مقدرة في بنياتها التنظيمية وفي لوائح مرشحيها من غير حاجة إلى اشتراطات قانونية، وربما سنكون أمام مغامرة لو اتخذ قرار بنهاية آلية الكوتا بحجة أنها أدت وظيفتها، وأن الأحزاب ستقوم بالمهمة.

التركيبة السوسيولوجية للأحزاب الوطنية الإصلاحية: الحداثي منها والمحافظ، لا تقدم تفسيرا لمطالبها، فالتقدم والاشتراكية، يمتلك خزانا انتخابيا نسائيا مهما، وليس له أي إكراهات إيديولوجية أو واقعية، إذ يستطيع ترشيح النساء بوفرة في الدوائر المحلية، وربما على رأس أكثر من لائحة، لكنه مع ذلك لم يراجع فكرة الكوتا النسائية، ويحاول أن يدفع الدولة لفكرة التسوية القانونية بين الأحزاب على مستوى ترشيح النساء في الدوائر المحلية، والعدالة والتنمية نفسه، ليست له عوائق في بنيته التنظيمية تحول دون وجود الشباب، فواقع الحال، يقول بأن تركيبة هذا الحزب شبابية بمستوى كبير، بل أغلب المراقبين والمتابعين لهذا الحزب يرون بأن عودة بن كيران للأمانة العامة كانت في الأصل رهانا شبابيا داخليا، وهو ما يعني أن بإمكان الحزب أن يجعل ما يقرب من ثلث رؤساء لوائحه الانتخابية من الشباب من أقل من 40 سنة.

التفسير الذي نميل إليه أن الفاعل السياسي الإصلاحي لم يجهز نفسه بما يكفي لمواجهة تحديات القانون الانتخابي التي كانت تعترضه في كل اقتراع، وهو مهجوس بفكرة ضبط توازنات الداخل الحزبي، وألا يكون العامل الانتخابي عامل إرباك له، ففي حالة عدم وجود الكوتا، غالبا ما يقع التنافس على المقاعد، وتكون القيادة مجبرة على تدبير التناقضات، بالاختيار بين المناضلين ذوي الشرعية التاريخية، وبين المناضلين من الفئات(النساء والشباب) خاصة إذا كانت هذه الفئات توفر خزانا انتخابيا مهما يصنع خارطة القيادة داخليا، فتختار القيادات الكوتا، لأنها تلزم التنظيم بالانضباط للقانون، ومن ثمة، تضمن احتواء التوترات والتناقضات الداخلية، فتزيح فئة الشباب من الدوائر المحلية التي تكون محور التجاذب، وتوفر مساحة كبيرة للمناورة، وتضمن في الآن ذاته، ترضية الفئات النسائية والشبابية، وتحول الصراع إلى البنيات التنظيميات الخاصة بها، فترتيب اللائحة الشبابية، أو النسائية، يصير مشكلة شبابية ونسائية، وليس مشكلة قيادية، ولا تتدخل القيادة إلا في نطاق جد محدود للترجيح، وأحيانا تستعمل بعض الدوائر المحلية الخالية وسيلة لاحتواء التناقضات الشبابية، فتزيل شابا أو امرأة من اللوائح الجهوية، وتضعهما في اللوائح المحلية، فتكسب القيادة مزيدا من الشرعية في دعم الفئات.

بالنسبة لإشكالات مكاتب التصويت، يمكن أن نلاحظ الأمر نفسه، فهذه الأحزاب لم تجهز نفسها لخوض هذا التحدي بمضاعفة استقطاباتها وتأهيل تنظيمها لسد هذه الثغرة، وفضلت في المقابل التوجه لوزارة الداخلية لخفض مكاتب التصويت بما يتلاءم مع قدرة هذه الأحزاب على تغطيتها.

ويبدو الأمر أكثر وضوحا بالنسبة إلى المطالبة بتوسيع الدعم لمالي الموجه لها لخوض حملاتها الانتخابية، وأيضا بالنسبة إلى توسيع الوعاء الزمني لتدخلات الأحزاب السياسية عبر وسائل الإعلام، فمن الواضح جدا، أن الأحزاب غير جاهزة ماليا، وتراهن بشكل كبير على حضور أكبر لرسالتها الانتخابية في الإعلام الحكومي، حتى لا تضيع فرصة التواصل مع المواطنين الذين ربما لا تتوفر على ماكينة انتخابية ميدانية للقاء المباشر بهم.

في المحصلة، يعاني العقل الحزبي الإصلاحي ضعفا ناتجا عن ضعف ذاكرته الانتخابية، وعدم جاهزيته التنظيمية لسد المنافذ التي استعملت ضده في الاقتراعات السابقة، ومن ارتهانه إلى الدولة في خوض الحملة الانتخابية، فتظهر الأحزاب في كل محطة انتخابية كما لو كانت تتسول الدولة من أجل أن تكون التعديلات الانتخابية خادمة لمواقعها وحظوظها أكثر من خدمتها لفكرة نظام انتخابي مستقر وعادل.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
14°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة