نقد عبارة: “أخرجنا الله بمحمد من العدم إلى الوجود”

14 سبتمبر 2025 14:35

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

يرِد في بعض الخطب والمواعظ والكلمات عبارات يراد بها تعظيم جناب النبي ﷺ والثناء عليه -وهو بلا شك أهل لكل تكريم مشروع ومدح لائق، فهو سيد ولد آدم وبلا فخر- غير أن بعض تلك العبارات لا تسلم من مؤاخذات عقدية ودلالية، لما تحمله من احتمالات توهم معاني باطلة أو غير منضبطة. ومن ذلك ما يقال أحيانا: أشهد أن النبي محمدا أخرجنا الله به من العدم إلى الوجود“.

إشكالية العبارة:

ظاهر هذه العبارة يوحي بأن النبي ﷺ كان سببا في إخراج الناس من العدم المحض إلى الوجود العيني، أو أن الله تعالى جعله علة في خلق المخلوقات، أو غاية من غايات الإيجاد. وهذا يوقع في أحد ثلاثة احتمالات باطلة:

1. أن يكون وجود البشر مسببا بذات محمد ﷺ أو أن ذات محمد مصدر له.

2. أن يكون إيجاد الخلق تكريما لهذا الرسول، لا ابتلاء بالعبادة.

3. أن يكون للنبي ﷺ صفة الخلق أو المشاركة فيه.

وكل هذه المعاني باطلة، لأنها تمس أصل التوحيد في الربوبية والخالقية، وفي التفرد بالمشيئة والإرادة الكونية، وفي إخلاص الألوهية وتحقيق العبودية الذي قرره القرآن الكريم:

▪︎ {إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [مريم: 35].

▪︎ {إِنَّكَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُم مَّیِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ﴾ [الزمر:30-31].

▪︎ {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].

يؤكد ذلك أن الوظيفة النبوية في ضوء النصوص القرآن والسنة يبينان بجلاء أن وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم تتمثل في التبليغ عن الله، والبيان والهداية إلى الصراط المستقيم؛ هداية إرشاد وتوجيه لا هداية توفيق، فهي بيد الله سبحانه ومتفرد بها. ومن الآيات الجامعة في هذا الباب قوله تعالى: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِیرا وَدَاعِیًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجا مُّنِیرا} [الأحزاب:45-46]. أما الخلق والإيجاد والغاية لأجلها خلق البشر، فذلك من خصائص الربوبية والألوهية التي لا يشارك اللهَ فيها أحد، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب.

البعد اللغوي والدلالي:

من الملاحظ أن العبارة المنتقدة لا أصل لها في نصوص الكتاب والسنة، ولم يرد عن الصحابة أو السلف استعمالها، مع عظيم محبتهم للنبي ﷺ وحرصهم على تعظيمه. بل كانوا يتحرون الألفاظ الشرعية والقريبة من معانيها الصافية، لأنها أبلغ وأعصم من الزلل، بخلاف الألفاظ المحدثة التي قد توهم معاني باطلة وإن قصد بها خير.

ولهذا قرر العلماء أن الألفاظ الشرعية حمى التوحيد، والعدول عنها إلى عبارات محدثة مظنة الانحراف العقدي؛ لأن الانحراف يبدأ غالبا بعبارات بعيدة عن أسلوب الشرع وصفاء منهجه، تتضمن غلوا كبيرا في التوصيف قبل أن يتحول إلى اعتقاد مستقر.

صياغة بدائل مقبولة:

بدلا من العبارة الملتبسة، يمكن استعمال تعبيرات موافقة للنصوص الشرعية، مثل:

• أخرجنا الله بمحمد من الظلمات إلى النور، وهو مأخوذ من قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ} [إبراهيم:1].

▪︎ هدانا الله بمحمد ﷺ من الضلال الى الرشد.

▪︎ بعث الله محمدا هاديا ومبشرا ونذيرا وسراجا منيرا.

وغيرها من العبارات الكثيرة، التي تكون مقتبسة من ألفاظ الوحي المباركة أو معانيه الصافية.

♦️ وختاما، إن تعظيم النبي ﷺ واجب، وهو أصل أصيل من أصول الإيمان، فلا إيمان من لا يعظم النبي ويحبه، لكن ينبغي أن يضبط هذا التعظيم والحب بميزان العقيدة الصحيحة وألفاظ الوحي. فالعبارات الملتبسة قد تفتح باب الغلو الذي حذر منه النبي ﷺ حين قال كما جاء في الصحيحين: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ».

ومن هنا فإن العبارة: “أخرجنا الله بمحمد من العدم إلى الوجود”، غير سائغة لا عقديا ولا دلاليا، والصواب العدول عنها إلى عبارات مقتبسة من الألفاظ الشرعية المأثورة التي تجمع بين سلامة المعنى وصدق التعظيم.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة