الخطيب الموقوف د.قرطاح يكتب مرة أخرى عن “طوطو”: مقام تائب!

هوية بريس – د.مصطفى قرطاح
“التمست وجوه الخير وكبراء القوم عسى أن يشفعوا لي بالدخول على السيد “طوطو” فأذن لي على مضض…
أوقفني الحاجب عند الباب قائلا: ما حاجتك؟
قلت: جئت تائبا، مستغفرا، معتذرا، داعيا، شاكرا….
دخل عليه ثم عاد:
َلقد تكرَّم عليك بإذنه، لكن شريطة أن توجز العبارة، وإيَّاك والإشارة، ولا ترفع إليه رأسا، وحذار أن تنبس بكلمة قبل إذنه، أو تزيد شيئا بعد زجره…
تقدمت إلى مقام السيد الطوطو بخطى ثقيلة وأنا لا أصدق نفسي،
أعاد علي السؤال: ما جاء بك؟
قلت جئت تائبا، مستغفرا، معتذرا، شاكرا..
صرخ في وجهي: هذا كلام مجمل، ففصل وإلا …
قلت: يا سيدي لا تعجل علي!!!
فلساني لا يطاوعني عند حضرتك، وعباراتي تخونني بهيبتك، وأنا لا زلت معتلا من جراء العملية الجراحية التي أجريت لي!!
آه، نعم، لقد كانت بأمر مني، فكيف وَجدْتَهَا؟
شكرا سيدي، أنا الآن أتماثل للشفاء، وشكرا للطبيب الحكيم، فقد قرر أني أعاني من زائدة دودية ملتهبة فاستأصلها على الفور!
ماذا تقول: أنا أمرتُ بقطع لسانك، فكيف يفعلُ غير ذلك؟
لا يا سيدي، لقد فعلَ ما أمرتَ به، غير أنه في التقرير سمى اللسان زائدة دودية، من باب تسمية الشيء بما يستعمل فيه، أو بالأحرى بما يؤول إليه، وهو في ذلك موافق لاصطلاح القوم!!!
حسناً فعلَ، وعن أي شيء جئت تائبا معتذرا …
جئت معتذرا من استطالة لساني، ومن وقاحتي وانعدام حكمتي، إذ ظننت أن مقامي من مقامك، فتقدمت إليك بالتهنئة، ونوهت بمستواك الفني، وأنَّا لي أن أكون من أهل هذا الشأن، وأن يكون لي فيه رأي، وأنا الذي أعيش في غيابات الجب لا أدري ما الذي يجري…
وجئتك معلنا توبتي، فلن أعود لمثلها أبدا…وما شأني أنا بهذا المهرجان أو ذاك، او بهذه الساحة أو تلك، أوبهذا المنبر أو سواه؟
أرجوك سيدي، تقبل اعتذاري وتوبتي!!!
وعن أي شيء ستشكرني؟
نعم، سيدي، تستحق الشكر على أن هديتني وعرَّفٌتَنِي قدري وذكَّرتني نفسي،
هديتني إلى المعروف فعرفته، وإلى المنكر فأنكرته، بعدما اشتبها علي اشتباه البقر على بني إسرائيل…
وما هو السبب في نظرك؟
نظري من نظرك سيدي، لكن الراجح عندي أن السبب هو ما كنت أقرأه من الكتب التراثية الصفراء، والاستماع إلى أعداء الحداثة من فقهاء وغيرهم، ولم أرتد مجالس الصوفية الحكماء…
وأعدك سيدي، سأقلع عن مجالستهم، كما أعدك بإحراق كل ما بيدي من كتب، فهي لا تنفع في شيء…
وهل ستكتفي بهذا؟
عفوا سيدي، سأشتري كل مجموعاتك الغنائية وسأحفظها عن ظهر قلب وسأرددها في خلواتي وجلواتي، وسأصيح بها في كل ناد…
حسن، هل أنهيت حديثك؟
عفوا سيدي، أريد أن أفصح لكم
أنٍّي ما فعلتُ الذي فعلتُ إلا عن حسد مقيت استوطن قلبي فأغلق علي النظر إلى جمالكم، وسدَّ علي آذاني فلم تَطٌرَبٌ لجميل ألحانكم!!!
وكنت أعاني من غرور شديد، فأقحمت نفسي بين أهل العلم وطلابه، ورواد
الفكر والثقافة، وحَسِبْتُ نفسي أهلا للنقد والتوجيه والإرشاد، والآن عرفتُ قدري فلن أَعْدُوَهُ، وتَيَقَّنْتُ مقامي فلن
أتجاوزه،
ولو أذنت لي سيدي بهذا الدعاء الوجيز، أجعله ختام مسك لهذا المجلس الكريم:
قطع لسان كل منتقد لكم، وأبعد عنكم كل فقيه أو خطيب حاسد
يشوش على مسيرتكم،
وخلفكم في الطبيب الحكيم طبيبا آخر
يسندكم، ويستأصل شأفة عدوكم،
وجعلكم تطوفون عرض البلاد وطولها بمهرجاناتكم،
ويمم قلوب الناس نحوكم…
وها أنذا انصرف مدبرا غير مقبل، متوجا بعفوكم، فشكرا لكم.



