د.قرطاح يكتب: نحو الكركية!!!

هوية بريس – د.مصطفى قرطاح

من شدة الهم، ورجاء الفرج، انطلقت نحو شاطئ البحر، تحملني قدماي إلي حيث لا أدري، أجد عزائي في هدير الموج وصلابة الصخر.

أخذتني سنة من نوم، فإذا بقارب يرسو على الشاطئ، وإذا بشيخ وقور ينزل منه، متدثرا بثياب بيضاء، وقد علق في عنقه سبحة طويلة، ومشى نحوي متكئا على عصاه..

– أنت!!! انهض، انهض أيها الوسخ
– كيف تصفني بالوسخ وأنت ترى ثيابي على هذه الحال؟
– نعم، إنك وسخ، وسخ القلب، عفن الضمير، غليظ القفا، طويل اللسان، رقيق الدين!!!
كأنك تراني وتطلع على حالي!
أجل، فبالكشف تنجلي لنا الحجب،- ونطلع على أمراض القلوب!!!

– وهل تعرفني؟
أنت، هههههه، هههههه، من ذا الذي لا يعرفك يا فتان، يا عدو الفن والفرح!!!
آه، إذن عرفتني من الحادثة إياها،
أجل، عرفتك بسببها، وقلت لتلاميذي: صدق من وصف هذا وأمثاله بالخوارج والمرضى، وهذا هو أحدهم، قد اشتد به المرض فخرج على الناس بهذه الفتنة، وهاهو قد لقي جزاءه!!!
لديك تلاميذ، هل أنت مدرس، سيدي؟
لا شأن لك بي!!!
سمعت شيئا من حكمتك، فأريد أن أستزيد منها بصحبتك ومجالستك…
الصحبة والمجالسة مقام دونك ودونه مراحل،
وتلاميذك، ما شأنهم؟
تلاميذي كانوا مرضى مثلك، وعالجتهم، فهم اليوم في أتم صحة وعافية!
هل عالجت قلوبهم أم أبدانهم؟
كلاهما معا، ولعلك ترى من حالهم ما يشهد لصدق كلامي، وحنكتي، وطول
تجربتي،
وكيف لي أن أصبح مثلهم؟
أن تصبح كركريا؟
ماذا؟
كما سمعتَ، أن تصبح كركريا؟ ثم، أنت دائما تكركر، حتى عندما صفعت وأسقطت أرضا قمت تكركر، لعلك ولدت وأنت تكركر، ولعلك ستلقى ملك الموت وأنت تكركر، فلعلك كركري بالفطرة! وهذا ما جعلني آمل فيك خيرا وأحدثك
هل أعتبر هذا مدحا سيدي؟-
مدحا، اخرس، هل بقي فيك ما يستحق المدح؟ أنا أنظر في حالك لعلي أجد ما أبدأ به في علاجك…

– ومن أين أبدأ؟
ترتدي هذا الثوب المزركش، وتجوب به أزقة المدينة وشوارعها، ولا تترك منها ناديا إلا وتلجه، وتنادي بأعلى صوتك: سقيم، عليل، يرجو شفاءا…
ولكن الناس سيسخرون مني ومن حالي…
أول العلاج أن لا تبالي بسخرية الناس، وأن ينعقد قلبك على صحة ما تفعل…
وكم يتطلب هذا الأمر؟
أربعين يوما…
ماذا، أربعين يوما، من أين لك بهذا العدد؟
يا طويل اللسان، ألم تقرأ في القرآن: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة…
ألم تسمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك…
أجل قرأت وسمعت، ولكني لم أفهم منها ما فهمت…
– هذا هو الفرق بين الثرى والثريا، بين من يقف على ظواهر الألفاظ، وبين من يغوص في معانيها ويفك رموزها وإشاراتها…
– لم أسمع بهذا العلم من قبل..
وأنى لك أن تسمعه وهو لا يتلقى في- المدارس، ولا يسطر في الكتب، بل يأخذ من صدور الشيوخ حين تلقي به زفراتهم وتأوهاتهم…
– ومتى يحدث ذلك؟
في لحظات صفاء وفناء تجود بها المواجد والمواهب..
وماذا عن الجوع؟ سمعت أنكم- تروضون النفوس بالجوع وشظف العيش…
كان هذا قديما، أما اليوم فقد تغير الحال، وأخذت الحياة زخرفها وازينت فنحن نأخذ نصيبنا منها، ألم تسمع إلى القول المأثور: رب مخمصة شر من التخم!!!
معنى هذا أن لكم طعاما كثيرا!!!
أجل، طعام كثير، وفراش وثير، ومال وفير،
ولكني أراك معتدل البدن لا أرى عليك آثار تخمة؟
هذا بفضل الرقص، تلك الرياضة العجيبة التي نزاولها…
هل تزاولونها في المراقص؟
اخرص أيها الوقح، هل نحن أهل مراقص؟ بل نزاولها في رباطاتنا!!
اعذرني سيدي، فلا زلت في بداية المشوار، وأرجو أن تعاملني بمزيد من الشفقة والحلم…
هذا هو قدرنا وواجبنا، أن نصبر على سفاهة السفهاء!!!
وكيف يجري هذا الرقص؟ على أنغام الموسيقى؟
كلا أيها الغبي، بل متزامنا مع الأذكار والصلوات والابتهالات…
آه جميل جدا،
الحمد لله أنك أقررت بشيء جميل عندنا، هناك امر آخر يجب أن تفعله،
ما هو سيدي؟
أن تصفو مصادرك فلا يبقى منها إلا ما نلقيه إليك، وأن تحرق كل كتبك، حتى لا تعود إليها أبدا، ولا تسأل عن شيء حتى نحدث لك منه ذكرا…
-ولكني سؤول سيدي، وأخشى أن لا تستطيع معي صبرا.. سنبذل قصارى جهدنا، وكلما أبديت نجابة وكففت عن السؤال كلما قربناك إلينا…
والآن انا ذاهب
هل ستأخذني معك على هذا اليخت؟-
اخرس، هذا اليخت لا يركبه إلا من صفا قلبه وطهرت نفسه من حظوظ الدنيا وصار المال في يده كالحصا، وبلغ مرتبة الولاية، فسخر له البر والبحر والجو…
وهل تحقق لك ذلك سيدي؟
قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا،
ألم تسمع بأني طرت إلى أمريكا، وألقيت محاضرات في جامعاتها…
عفوا سيدي لم أسمع بذلك لكني أصدقك في كل ما تقول، وقد عزمت عزما لا ثواني فيه أن أكون احد تلاميذك، أكرر كما يكركرون، وأرقص
كما يرقصون،
وأرجو ان تكرمني بباقي قصتك في جلستنا المقبلة!!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة اي تشابه في الأسماء فهو من ضرورة الحكي ليس إلا، مع كامل الاعتذار لمن لهم شبه الاسم.