الوهم والدنيا…

25 سبتمبر 2025 00:38

هوية بريس – احسان الفقيه

يعيش الإنسان في عالمٍ يظنّ فيه أنّه حُرّ، غير أنّه في جوهره أسيرٌ لعاداته ورغباته ومخاوفه، ولِما نسجته نفسه من برمجةٍ ذهنيّة. وتلك القيود هي الحجاب الأكبر بينه وبين الحقيقة….

ماذا عن الاختيار الواعي؟
تأتي لحظة فاصلة على كل روح، إما أن تستسلم للوهم المُريح، أو تختار الحقيقة المُؤلمة المُؤجّلة التي تفتح أبواب الوعي…
تلك اللحظة هي ميلاد جديد، أشبه باليقظة الكبرى، حيث ترى الروح ما وراء ظاهر الأشياء…

ماذا عن قوة العقل والنية؟!
ما يزرعه الإنسان في وعيه يتجسد في حياته؛ فالقيود ليست إلا تصوُّرات، وإذا تحرر العقل تحررت التجربة….
وهنا يتجلى قانون النية…
فصفاء النية يخلق واقعًا جديدًا، وإرادة الخير تفتح أبوابًا من القوة لم يكن يظنها ممكنة.

أين الخلاص؟
– الخلاص بالعمل الصالح لا يكفي الوعي النظري وحده، بل التحرر يتحقق بتجسيد الخير والتضحية من أجل الآخرين…
– العمل الصالح، والإيمان بالرسالة، والوفاء للحق، هي الطريق إلى التحرر من أسر الوهم.
كل نفس تسقط بين وهمٍ مريح وحقيقةٍ مؤلمة…..

ومن اختار الحقيقة، تطهّر قلبه من الأهواء، وارتقى إلى مقام العبودية الحرة، حيث لا سلطان إلا لله.
يقال إن بين العبد وربه حجابًا عظيما من صنع النفس والهوى والدنيا!!
هذا الحجاب يتراكم شيئًا فشيئًا، حتى يحجب القلب عن أنوار الهداية،
ويجعله أسيرًا لشهواته وأوهامه…

وقد عبّر القرآن عن هذا الحجاب بلفظة “الرّان”: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، أي غشاوة الذنب التي تحجب البصيرة.
ورفع الحجاب لا يكون بخوارق ولا بممارسات غامضة، وإنما بطريق واضح رسمه القرآن والسنة: تزكية النفس…
قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾.

فالتزكية تعني تطهير النفس من الهوى، وإحياءها بالذكر، وتغذيتها بالمعرفة الصحيحة، وإكسابها نور المحبة الصادقة لله تعالى…
عندها ينكشف الحجاب، وينجلي الغبش عن القلب، فيرى الحق على ما هو عليه.

الذكر هنا (ذكر الله عزّ وجل) ليس تردادًا أجوف، بل حضور قلبٍ دائم مع الله، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۝ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

والمعرفة ليست فلسفةً أو جدلًا عقليًا، بل معرفة بأسماء الله وصفاته كما وصف بها نفسه في الوحي، تورث الخشية والمحبة…

والمحبة ليست انفعالًا عاطفيًا مجرّدًا، بل عمل صالح وإخلاص، يجعل العبد يقدّم رضى الله على كل شيء.

فإذا صفا القلب بهذه المعاني، صار كمرآة صافية تعكس نور الوحي، بعد أن كانت مغطاة بغبار الهوى….

عندها يصبح الإنسان شاهدًا على الحقيقة بإيمانه، لا سجينًا للوهم والخيالات. وهكذا يتحقّق له معنى الهداية: أن يرى الأشياء على حقيقتها، لا كما تزيّنها الدنيا أو تموّهها النفس.

وبهذا المعنى، يكون رفع الحجاب مسارًا مستمرًا من المجاهدة اليومية، لا قفزة واحدة….

وكلما طهُر القلب من شهوة أو حقد أو خوف، انكشف له من أنوار الحق ما يزيده قربًا ويقينًا… وهذه هي حقيقة السلوك إلى الله عند أهل السنّة:

أن يجمع العبد بين العلم والعمل، بين الإيمان والذكر، بين الحب والاتباع، فيكون حرًّا بالله من أسر الدنيا، بعد أن كان عبدًا للدنيا بعيدًا عن الله.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
13°
15°
الجمعة
15°
السبت
15°
أحد
15°
الإثنين

كاريكاتير

حديث الصورة