إصلاح الأجندة الانتخابية في المغرب: صراع تحت السطح

26 سبتمبر 2025 07:51

إصلاح الأجندة الانتخابية في المغرب: صراع تحت السطح

هوية بريس – بلال التليدي

لا تزال المشاورات التي يديرها وزير الداخلية عبد الواحد لفتيت جارية إلى اليوم مع ممثلي الأحزاب السياسية للإعداد لاستحقاقات 2026 دون أن يتم حسم كثير ممن الملفات الحساسة.

وزير الداخلية في أول لقاء له مع الأحزاب قدم رسالة طمأنة كبيرة من أن الإدارة الترابية عازمة على إحاطة هذه المحطة الانتخابية بكافة ضمانات النزاهة والشفافية، والأحزاب السياسية عبرت عن ارتياحها لما تضمنته كلمة الوزير وما ترمز له من مناخ إيجابي ورغبة جدية في الاستماع والتجاوب مع مطالبها، وتعديل القوانين الانتخابية بالشكل الذي يجعل الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في السنة القادمة منعطفا حاسما في المسار الديمقراطي بالمغرب.

هذا المناخ الإيجابي شجع ممثلي الأحزاب الوطنية والديمقراطية أن تقدم جملة مطالب، يسعى بعضها إلى توسيع مشاركة الفئات عبر اعتماد كوتا انتخابية (فئة النساء) أو استعادة لائحة الشباب، أو تعديل القاسم الانتخابي، أو تعديل التقطيع الانتخابي، أو اعتماد قاسم انتخابي عادل يقطع مع واقع البلقنة السياسية، ويدفع في اتجاه إنشاء أقطاب سياسية، أو تعديل شكل مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج والقطع مع أسلوب اعتماد التوكيل في الاقتراع الانتخابي، أو اعتماد البطاقة الوطنية في إعداد اللوائح الانتخابية وفي التصويت.

السلطات لم تعبر في بداية الأمر عن أي نوايا تكشف توجه الإصلاح الانتخابي ومضامينه، وإنما تركت الأمر مفتوحا على اقتراحات الأحزاب، لكن اللقاءات التي تلت، بينت أن هناك صراعا خفيا تحت السطح، يكشف تباين الأهداف، بين الإدارة الترابية التي تريد أن تجد دعما حزبيا واسعا لسياسة بدأتها منذ أكثر من سنة بتطهير العملية الانتخابية من أباطرة الانتخابات الذين بلغ نفوذهم إلى حد رهن القرار الإداري محليا وجهويا بخلق شبكات اخترقت الإدارة والأعمال، وتحكمت في القرار المحلي، وخلقت تحديا كبيرا للإدارة الترابية، وبين أحزاب سياسية وطنية وديمقراطية، تريد من جهة أن ترى انتخابات مخالفة تماما لانتخابات 2021 حتى تحصد مزيدا من المقاعد، أو على الأقل تستعيد جزءا من شعبيتها السابقة كما هو الشأن بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي كان أول ضحية للاقتراع السابق، وتريد من جهة أخرى، أن تكون التعديلات الانتخابية خادمة لبعض الاستحقاقات التنظيمية، إذ تواجه قيادات هذه الأحزاب، تحدي تلبية حاجات المناضلين عبر التزكية، فتطالب لهذا الغرض بلائحة شبابية عبر الكوتا لتنهي الصراع الجيلي داخلها، وتطالب بتوسيع لائحة النساء حتى تبعدهم عن التنافس على اللوائح المحلية، وتطالب أحزاب أخرى بزيادة مقاعد البرلمان، حتى توفر هامشا أكبر في المناورة في مجال تقديم التزكيات لمناضليها.

الإدارة الترابية تدرك أن المستفيد الأكبر من عودة لائحة الشباب هو حزب العدالة والتنمية، فهو الذي يعرف من حيث التركيبة السوسيولوجية وفرة شبابية وفي الآن ذاته صراعا جيليا مهما، وسيكون من الصعوبة على القيادة السياسية أن تدبر لحظة التزكيات بين الأجيال بشكل سلس في حال بقاء الوضع الانتخابي على ما هو عليه، ولذلك لم تستجب وزارة الداخلية لهذا المطلب، في حين أبقت باب الحوار مفتوحا لمناقشة توسيع اللائحة النسائية الوطنية بحيث تصير 120 مقعدا بدل 90، لكن الجدل الذي يصاحب هذا المقترح، هو الفارق بين الرقم السابق والجديد، أي 30 مقعدا، ومن أين سيتم تدبيره؟ هل بزيادة عدد أعضاء البرلمان؟ أم بنقص في اللوائح المحلية؟ بما يعني إحداث تعديل في التقطيع الانتخابي، أو في النظام الانتخابي بتقليص عدد مقاعد اللوائح المحلية بما يخلق تحديا جديدا لقيادات الأحزاب في إدارة عملية التزكية للمناضلين.

المشاورات التي جرت لحد الساعة، أبانت عن رفض الإدارة الترابية لفكرة اعتماد البطاقة الوطنية لإعداد اللائحة الانتخابية بشكل أوتوماتيكي، وفي المقابل حصل نوع من الانفتاح على فكرة تنقية واسعة للوائح الانتخابية، وكشفت عن رفضها لعودة لائحة الشباب، وفي المقابل قبلت من حيث المبدأ فكرة توسيع لائحة النساء الوطنية بزيادة مقاعدها، وأبدت نوعا من التحفظ على زيادة مقاعد البرلمان، لما في ذلك من تداعيات سياسية وأخلاقية سلبية، فالرأي العام لا يتقبل خاصة في هذه الظرفية الحساسة ريعا انتخابيا جديدا، بينما أبقت على القاسم الانتخابي السابق، بما فيه من عيوب، وهي تدرك أن المطالب الأول بتغييره هو حزب العدالة والتنمية، وفي مقابل ذلك كله، وجدت دعما واسعا من لدن الأحزاب لفكرة تطهير العملية الانتخابية من أباطرة الانتخابات، مع استمرار النقاش حول الشكل القانوني والإداري الذي سيتم اعتماده للجواب عن التوجسات الحقوقية بهذا الشأن، إذ لا يسوغ القانون حرمان أي مواطن من حقه في الترشيح ما لم يجرده القانون منه، بحكم قضائي، أو بما يثبت تورطه في جرائم فساد.

واضح من هذه الدينامية التشاورية، أن مقاصد الإدارة الترابية مختلفة تماما عن مقاصد الأحزاب، وإن كان يجمعهما معا هدف إحداث فارق ما في العملية الانتخابية، فالإدارة الترابية مهجوسة بسياسة «تطهير» هادئة بقصد استعادة هيبة قرارها الإداري، بتفكيك الشبكة التي نسجها أباطرة الانتخابات مع موظفي ومسؤولي الإدارة الترابية، وذلك بموازاة مع سياسة لإعادة انتشار لهرمها الإداري، بما يفضي بشكل تدريجي إلى تحرير المساحة بينها وبين هذه الطبقة، وإعادة رسم العلاقة بناء على رؤية أخرى أكثر توازنا، وهي بقدر ما تريد دعما حزبيا ستجده بسهولة من أحزاب الرحم الشعبي، لأن أباطرة الانتخابات هم خصومها الطبيعيون، بقدر ما تبقي على عين حذرة تمانع أي تعديل انتخابي، يفضي إلى تحقيق مكاسب انتخابية جدية يستثمرها الإسلاميون، فقد رفضت فكرة تعديل القاسم الانتخابي، ورفضت اعتماد البطاقة الوطنية إعداد اللوائح الانتخابية بشكل أتوماتيكي، ورفضت فكرة استعادة لائحة الشباب، وقبلت فكرة توسيع لائحة النساء الوطنية دون أن تقدم أي موافقة على فكرة زيادة مقاعد البرلمان، حتى تضع الجميع أمام الحرج، أي أن تكون زيادة هذه المقاعد على حساب اللوائح المحلية، ليثير ذلك توترا داخليا كبيرا على مستوى إدارة التزكيات خاصة في الأحزاب التي يحتل الشباب فيها موقعا مهما في تركيبتها السوسيولوجية وفي بنائها التنظيمي أيضا.
في المحصلة، تريد الإدارة الترابية من هذه الانتخابات فرصة لاستعادة مساحتها وتحرير قرارها الإداري من تغول أباطرة الانتخابات دون أن تقدم أية مكاسب ذات قيمة بالنسبة للفاعل الحزبي الوطني والديمقراطي، وفي المقابل، تقبل بعض المطالب (توسيع لائحة النساء الوطنية) بأفق آخر (من غير زيادة عدد أعضاء البرمان) وهو ما سيجعل الأحزاب الإصلاحية في حرج الموقف سواء أمام الجمهور في حالة قبلت الريع الانتخابي بزيادة أعضاء مجلس النواب، أم أمام «داخلها»، في حال قبلت أن يكون توسيع اللائحة الوطنية على حساب اللوائح المحلية دون زيادة أعضاء مجلس النواب، مما سيسبب لهذه الأحزاب توترات تنظيمية تؤثر سلبا على جاهزيتها الانتخابية وعلى تماسكها الداخلي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
15°
الجمعة
15°
السبت
15°
أحد
15°
الإثنين

كاريكاتير

حديث الصورة