شبهات الملحدين ومنزلة اليقين

27 سبتمبر 2025 13:24
النظريات الفلسفية الثلاث التي أطرت القراءة المعاصرة للقرآن عند الدكتور محمد شحرور

شبهات الملحدين ومنزلة اليقين

هوية بريس – أحمد الشقيري الديني

في كل العصور يتلون الإلحاد بحسب ما تقتضيه الظروف المحيطة بالمجتمع والأشخاص المستهدفون، وتاريخ الإلحاد قديم ومستمر قدم الصراع بين المؤمن بالحق وجنود إبليس.

والإلحاد له معنى لغوي ومعنى اصطلاحي شرعي؛ فمصطلح الإلحاد في اللغة, هو “مصطلح عام يتضمن الميل, والعدول عن الاستقامة, وعن الدين, فهو يستعمل في كل معوج غير مستقيم, فأصل الإلحاد في كلام العرب: هو العدول عن القصد، والميل والجور, والانحراف”.

وفي الاصطلاح الشرعي هو الميل والانحراف عن الحق إلى الباطل, وبعبارة أشمل فهو الميل بالعقيدة الصحيحة من الحق إلى الباطل بكل صوره, سواء كان ميلًا إلى إنكار خالق الكون أو تعطيل صفاته أو تأويلها بالباطل, أو الردة, أو الكفر أو الشرك بالله أو الاستهزاء بالقرآن أو بالأنبياء أو بالملائكة، سواء كان بالكلام أو بالكتابة أو بالرسم والنحث أو بالفلم والمسرح بدعوى الإبداع أو كسر الطابوهات؛ ويشمل أيضا البدعة و إنكار ما تبث من السنة النبوية، فالإلحاد في الشرع يتضمن كل هذه المعاني..

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:(فإنَّ الإلحاد المحض، نفي الصانع بالكلية, وأنَّ هذا العالم الموجود ليس له صانع) وهذا هو معناه المعاصر، وهذا القسم من الإلحاد، إنكار الصانع، كان نادرا، لأنه مناقض لقانون السببية الراسخ في العقول الصحيحة والفطرة السليمة، التي على عنها الأعرابي بقوله: (البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير؛ فأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج ألا تدل على اللطيف الخبير)؟!

يقول الشهرستاني -رحمه الله تعالى-: ( أمَّا تعطيل العالم عن الصانع العظيم، القادر الحكيم، فلست أراها مقالة، ولا أعرف عليه صاحب مقالة، إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية.

وعند المعاصرين يقول الدكتور سعيد القحطاني أنَّ المراد بالملحدين في هذا العصر: (من أنكروا وجود رب خالق لهذا الكون، متصرف فيه، يدبر أمره بعلمه وحكمته، ويجري أحداثه بإرادته وقدرته واعتبار الكون أو مادته الأولى أزلية، واعتبار تغيراته قد تمت بالمصادفة، أو بمقتضى طبيعة المادة وقوانينها واعتبار الحياة … من أثر التطور الذاتي للمادة).

وقد ظهرت في العصر الحديث موجتان قويتان للإلحاد، الأولى في الستينيات من القرن الماضي مع افتتان الشباب بنظرية التحليل الماركسي للتاريخ وانتشرت بداية في أوساط الطبقة الكادحة لأنها تقدم حلا المعضلة الفقر، والموجة الثانية التي نعيش إيقاعها ظهرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وعلى إثرها برز ما يسمى ب” الإلحاد الجديد” الذي جعل موضوعه الرئيسي استهداف الإسلام بشعائره ومعتقداته وهدم أركانه؛ يعرف الدكتور فلاح الدليمي “الإلحاد الجديد: بأنَّه موجه إلحادية جديدة معادية تدعو إلى الإنكار والنفي المحض للخالق بحيل فلسفية وبنظريات مصبوغة صبغة علمية, ومغالطات منطقية؛ لإقناع النَّاس بفكرهم وإلحادهم, بُغية السيطرة على شعوب العالم التي ينتشر فيها الإلحاد”!

ويؤكد أن”أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام (2001م), التي استهدفت برجي التجارة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية, كان لها ردة فعل غاضبة, وسببٌ كبير في تطور الإلحاد إلى النزعة المعادية للدين, لا سيما العداء للدين الإسلامي والمسلمين, وهو ما يسمى اليوم بالإلحاد الجديد..”.

ويؤكد الدليمي أن أشهر ملاحدة العصر” الملحد ريتشارد أعلن أنَّ بداية إلحاده الجديد كان يرجع إلى أحدث: (11 من سبتمبر في عام 2001م), وأنَّ هذه الأحداث قد حولتهُ من ملحدٍ مسالم إلى ملحدٍ عدائي أصُولي ضد الإسلام, بل إنَّ هذا الحدث ولَّد ردَّةَ فعلٍ كبيرةً تِجاه تشجيع المُلحِدين على تبني دورًا كبيرًا مقرونًا بالمضامين الإلحادية, حتى إنَّ بعضهم قام في الطُرقات برفع لوحاتٍ إلحادية, تُنادي المارَّة وتدعوهم للإلحاد”..

ويجسد هذه النزعة العدائية للإله فلم بعنوان: (الحافة_The Ledge ), أنتج في العام: (2011م), يدور الفلم بين مؤمن وملحد, يقول الملحد: (الله لا دليل على وجودة), ثم يستطرد الملحد في هذا الفلم ويذكر بأنَّ من أسباب إلحاده هو أحداث الحادي عشر من سبتمبر..!

تزامن بروز الإلحاد الجديد مع الدعوة لتفكيك الأسرة لأنها تشكل أقوى محاضن التدين والمعتقدات التي تنقل بواسطتها جيلا بعد جيل، فلا يمكن ترسيخ المفاهيم الإلحادية في ظل وجود هذه الخلية المستعصية على الاختراق، فنشطت الدعوة للشذوذ الجنسي والإجهاض وحركة الفمنيزم؛ يقول الدكتور محمد المهدي: ( تُبذل جهود هائلة لجعل الجنسيَّة المثليَّة سلوكًا مقبولًا على المستوى الفردي والجماعي، بل قد يتجاوز بعضهم مسألة القبول إلى مسألة الفخر والخروج في مظاهرات علنية تفخر بهذا السلوك)!

ولأجل توسيع حملة التشكيك في وجود خالق الكون نشط التطوريون دعاة نظرية التطور باعتبارها تفسيرا علميا لنشأة الكائنات الحية من دون حاجة للخالق البارئ المصور؛ فتمَّ إطلاق اسم كبير الملاحدة في عصرنا “دوكينز” على جائزة تُمنح من التحالف الدولي للملحدين ضمن حدث سنوي تكريمًا لأيِّ ملحد له دورٌ كبير بالإلحاد من خلال نتائج أعماله في العام الواحد، وسميَّت الجائزة (جائزة ريتشارد دوكينز), تبيانًا لجهود دوكينز في الإضلال..!

والإلحاد الجديد هو منتوج أوروبي غربي, أو هو صناعه أوروبية غربية بامتياز, و هذه الصناعة تقف ورائها أيضًا دعاة غلاة اليهودية, لا سيما الماسونية اليهودية الإلحادية في العصر الحديث، ولهذا لا تجد في كلام الملاحدة إلا نقدا للدين المسيحي عموما، والدين الاسلامي على الخصوص؛ أما المعتقدات اليهودية فخط أحمر؛ وتعكس الدعوة للديانة الإبراهيمية التي فرضت على بعض الدول العربية اليوم بمقتضى اتفاقية أبراهام إحدى تجليات الصراع بين الإلحاد الجديد والإسلام.

منزلة اليقين ملجأ المتقين من شبهات الملحدين

في العالم العربي والإسلامي تطور الإلحاد في أحضان “حركة الاستشراق التي تعتبر المصنع الرئيسي للشبهات والطعون والتشكيك بثوابت الدين “؛ وزاد من انتشار هذه الشبهات ظهور مواقع التواصل الاجتماعي حيث يعتكف شباب اليوم فيتلقون شبهات حول الإله وأصل الخلق والطعن في النبوة وفي القرآن وفي البخاري، وإنكار السنة النبوية..

وحين تملأ الشبهات رأس المتلقي فتصادف هوى متبعا وشهوات مستحكمة فإنها تتحول إلى أفكار راسخة ثم إلى معتقدات يقينية يصعب دواؤها..

العاقل من لا يقتحم بيوت المتشككين ولا ينظر في شبهاتهم حتى تترسخ عنده معاني الإسلام ويتذوق حلاوة الإيمان ويشعر بلذة العبادة؛ فحينها لا تضره هذه الشبهات لأنه بلغ منزلة اليقين.

وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضول الاطلاع على الشبهات والشهوات لأن لها جاذبية قل من ينجو من أثرها..
ففي صحيح الجامع عن النواس بن سمعان ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا عظيما لحال السالك إلى الله في مناخ تتجاذبه الشبهات والشهوات حين قال (ضربَ اللهُ تعالى مثلًا صراطًا مستقيمًا ، وعلى جنْبَتَيِ الصراطِ سورانِ ، فيهما أبوابٌ مُفَتَّحَةُ، وعلَى الأبوابِ ستورٌ مُرْخَاةٌ ، وعلى بابِ الصراطِ داعِ يقولُ : يا أيُّها الناسُ ! ادخلوا الصراطَ جميعًا ولَا تَتَعَوَّجوا ، وداعٍ يدعُو مِنْ فَوْقِ الصراطِ ، فإذا أرادَ الإِنسانُ أنْ يفتحَ شيئًا مِنْ تِلْكَ الأبْوابِ قال : وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ ، فإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، فالصراطُ الإسلامُ ، والسُّورانِ حدودُ اللهِ ، والأبوابُ الْمُفَتَّحَةُ محارِمُ اللهِ تعالى ، وذلِكَ الدَّاعِي على رأسِ الصراطِ كتابُ اللهِ ، والداعي مِنْ فوقٍ واعظُ اللهِ في قلْبِ كُلِّ مسلِمٍ).

ويحصل المسلم منزلة اليقين بالبحث في البراهين العقلية ودلائل النبوة، وهي كثيرة ومتنوعة (يمكن التماسها في القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي البشارة به صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة والتي لم تطلها يد التحريف، وهي كثيرة في كتبهم المقدسة المتداولة بينهم اليوم) حتى إذا تبث عنده صدق الرسول سهل عليه الإيمان بالغيب الذي هو مدخل الاعتراف الحق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.. وعندها لا تضره الشبهات لتفاهتها وتهافتها.

ولأن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان بما جاء به يمثل المدخل الرئيس لحصول منزلة اليقين، فقد جعله الملاحدة منطلقا لشن هجماتهم ودس شبهاتهم، فصوبوا سهام الشك تجاه السنة النبوية فشككوا في مصادرها المعتمدة وعلى رأسها صحيح البخاري، واتهموا الصحابة وعلى رأسهم المكثرين من الرواية مثل أبي هريرة بالكذب، وفسروا الفتنة التي حصلت بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها صراع على السلطة لإسقاط عدالتهم، وطعنوا في النبي صلى الله عليه وسلم، وفسروا ما كان يعتريه إبان تلقي الوحي بالتخبط الهستيري ، وطعنوا في زواجه بأم المؤمنين عائشة وهي طفلة، وبعدد زيجاته عليه السلام.
ومن أعجب ما وقفت عليه من هذيانهم: إنكارهم لشخص النبي بالمرة وإنكارهم لوجود الصحابة، بل وإنكارهم لمكة ولوجود الكعبة، وفسروا التاريخ الإسلامي كله بنبيه وشخوصه وغزواته وكتابه؛ بأن ذلك كله لاوجود له في الماضي، وإنما هو صناعة تمت في العصر العباسي، وقبل العصر العباسي كانت هناك ديانة ملفقة من معتقدات اليهود والنصارى، طورها فيما بعد العباسيون..!ولهم في ذلك نظريات زعموا..!

هكذا عندما أعيتهم الحياة في إضلال الأمة عن دينها لم يجدوا إلا إنكار وجودها التاريخي بالمرة..والحقيقة أن بلوغهم هذا المستوى من الانحطاط دليل تخبطهم وهلاكهم..

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة