القمار في المغرب.. مليارات في جيوب الدولة وخراب في بيوت الفقراء

القمار في المغرب.. مليارات في جيوب الدولة وخراب في بيوت الفقراء
هوية بريس – متابعات
القمار في المغرب لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية محدودة الأثر، بل تحول إلى صناعة قائمة بذاتها، ترعاها الدولة عبر شركات عمومية، وتستقطب ملايين المغاربة الذين يقامرون بشكل منتظم أو موسمي. بين التحريم الشرعي والجدل القانوني، وبين مداخيل الدولة ومآسي الأسر، يبقى الملف مطروحا بقوة في الساحة العمومية.
أرقام صادمة
تشير المعطيات الرسمية إلى أن ثلاث شركات رئيسية تدير قطاع القمار في المغرب، هي:
الرهان الحضري التعاضدي التابع لوزارة الفلاحة والصيد البحري.
المغربية للألعاب والرياضات التابعة لوزارة الشباب والرياضة.
اليناصيب الوطني الخاضع لصندوق الإيداع والتدبير.
هذه الشركات تحقق رقم معاملات يفوق 940 مليار سنتيم سنويا، معتمدين على شبكة تضم حوالي 4000 نقطة بيع و 341 وكالة موزعة على 21 مدينة. ويقدر عدد المغاربة الذين يقامرون بشكل دائم بأكثر من 3 ملايين شخص، بينما تشير بعض الدراسات إلى أن العدد يتجاوز 6 ملايين إذا أضفنا من يلعبون بشكل موسمي.
الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية
رغم أن القمار يدر على خزينة الدولة مليارات الدراهم، إلا أن كلفته الاجتماعية تبقى مرتفعة جدا. فإدمان المقامرين يدفع كثيرا من الأسر إلى بيع ممتلكاتها، والتعرض للديون والإفلاس، وصولا إلى تفكك الأسر، وانتشار الطلاق، وتشرد الأطفال.
خبراء اجتماع واقتصاد، مثل الدكتور عمر الكتاني، حذروا من خطورة هذه الظاهرة التي تعمق الفقر وتؤسس لثقافة الاتكال على الحظ بدل العمل والإنتاج.
البعد الشرعي والقانوني
من الناحية الشرعية، المذهب المالكي، الذي يشكل مرجعية دينية للمملكة، يحرّم القمار تحريما قاطعا، باعتباره نوعا من الميسر. وزارة الأوقاف نفسها سبق أن أصدرت فتوى في 2005 تؤكد حرمة ألعاب مثل “اللوطو”.
لكن على المستوى القانوني، تعتبر وزارة الداخلية القمار “لعبة منظمة”، تخضع لضوابط ودفاتر تحملات، وتُصنف ضمن الأنشطة الاستثمارية والسياحية.
هذا التناقض بين المرجعية الشرعية والقانونية يثير جدلا واسعا حول طبيعة الدولة المغربية: هل هي دولة مدنية تستند إلى قوانين وضعية فقط، أم دولة مسلمة ينبغي أن تنعكس هويتها الإسلامية في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية؟
الإعلام والقمار.. صراع مستمر
شهد الملف محطات ساخنة، أبرزها سنة 2016 عندما صدر قانون يمنع بث إشهارات القمار على القنوات العمومية. غير أن القناة الثانية دوزيم تحدّت القانون سنة 2018 وبثت إعلانات مرتبطة بالقمار، مما أثار غضب برلمانيي حزب العدالة والتنمية، الذين اعتبروا ذلك خرقا صارخا لدفتر التحملات.
وبعد منع الإشهار في التلفزيون، لجأت شركات القمار إلى الفضاء الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، حيث تستهدف الشباب عبر محتويات تسويقية مقنعة.
أصوات ناقدة
عدد من الفاعلين السياسيين والباحثين يرون أن استمرار الدولة في احتضان القمار يعكس خضوعا للوبيات مالية قوية، وأن المداخيل المالية لا تبرر حجم المآسي الاجتماعية التي يخلفها. ويذهب آخرون إلى القول بأن القمار يكرّس الفساد البنيوي، ويتعارض مع الشعارات الإصلاحية التي رفعتها الحكومات المتعاقبة.
الخلاصة
بين حرمة شرعية وتحريم قانوني جزئي، وبين لوبيات اقتصادية وضغط مجتمعي، يبقى ملف القمار في المغرب أحد أعقد الملفات التي تتقاطع فيها السياسة بالدين بالاقتصاد.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يمكن لدولة مسلمة أن تبرر مداخيلها من نشاط يقتات من خراب بيوت مواطنيها؟



