حراك جيل Z في ضوء حديث السفينة

حراك جيل Z في ضوء حديث السفينة
هوية بريس – أحمد الشقيري الديني
التطورات الدرامية التي آل إليها حراك جيل Z في اليومين الأخيرين تفرض وقفة للمراجعة والتأمل، فبلدنا يعرف اختلالات متعددة رغم الإنجازات المعتبرة على مستوى البنية التحتية، وهو يسير بإيقاعين كما حذر جلالة الملك في أكثر من مناسبة..
ونحن وأبناؤنا في سفينة واحدة لكن بطبقتين كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع البشري بصورة دقيقة: طبقة عليا لمن تيسرت لهم ظروف العيش وأسباب الحياة الكريمة، بينما الطبقة الثانية أصابت أسفل السفينة وأوعرها كما جاء في التعبير النبوي، فهؤلاء المستضعفون إذا احتاجوا إلى الماء (الذي يرمز في الحديث لضرورات العيش الكريم) مروا على من فوقهم ليستقوا من الماء، فتأذى منهم الذين في الأعلى وقالوا “لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا”! وهذا ما يقع عندما يحرم أبناء الطبقة الكادحة من فرص الشغل والحق في العلاج والتعليم وفق قانون تساوي الفرص؛ فماذا يترتب عن هذا الاحتكار من طبقة الأعلين للماء؟! هو ما بينه الحديث النبوي الذي سنطلع عليه القارئ بعد قليل: يقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الذين في أسفل السفينة قالوا “لو أنا خرقنا في نصيبنا فلم نؤذ من فوقنا” ثم أخذ بعضهم فأسا ينقر به أسفل السفينة بحثا عن الماء ! هكذا!
وهذا ما يجري اليوم أمام أعيننا من شباب غاضب ثائر على الأوضاع حرم من حقوقه ومنع منها ، فأخذ يخرب أسفل سفينة المجتمع احتجاجا على من منعوه من المرور لأعلى السفينة ظلما؛ فالذين في أعلى السفينة ظلموا والذين في أسفلها وأوعرها جهلوا!فاجتماع جهل هؤلاء إلى ظلم أولئك مؤذن بخراب المجتمع وغرق السفينة كما جاء في آخر الحديث..
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلنا على علاج هذا الاختلال الحاصل في السفينة؛ ليس من خلال إذكاء الصراع الطبقي وثورة الأسفلين على الأعلين؛ بل من خلال قيام العقلاء العارفين بحدود الله القائمين عليها بدورهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يمنعون الذي أخذ فأسا ينقر أسفل السفينة بحثا عن الماء، ويحملون الذين في أعلاها على إتاحة الفرصة لمن يحتاج إلى الماء بالمرور بحكم التعايش المشترك.
ثم يختم الحديث بالتحذير من المصير المشترك : ينجو كل من في السفينة أو يغرف الجميع..!
فتأمل الحديث بروعته ودقته كيف يصف الداء ويرشد للدواء ثم يبرز النتيجة الحتمية؛ فعن النعمان بن بشير يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” مثل القائم على حدود الله والواقع ( وفي رواية: والمدهن) فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها (وأوعرها)، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم (فيصبون على الذين في أعلاه) فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا)! فقالوا (أي الذين في أسفلها): لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا (فاستقينا منه) ولم نؤذ من فوقنا!
فأخذ أحدهم فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا “. رواه البخاري والترمذي والبيهقي وأحمد، وجمع ما صح من أطراف الحديث الشيخ الألباني في الصحيحة (1/67).



