ويحمان: كلمات.. في العنصرية، أصل كلّ المشاكل

هوية بريس- ذ. أحمد ويحمان*
العنصرية هي أصل كلّ الشرور، وهي جوهر المشروع الصهيوني منذ قيامه. وأصل هذه العنصرية يكمن في تلك الفكرة الخرافية التي قامت عليها العقيدة التوراتية المحرَّفة، أي خرافة «شعب الله المختار» وما يقابلها من اعتبار باقي البشر «غوييم»؛ أي أدنى مرتبة من الإنسان، وُجدوا لخدمة “المختارين”!
ومن هذه العقيدة المتعالية وُلدت كلّ أشكال الظلم والاستعباد والاحتلال في العصر الحديث، بدءًا من الاستعمار الكلاسيكي وصولاً إلى الكيان الصهيوني ومنظومته الغربية الراعية له.
ولأن هذه العنصرية متجذّرة في كل ما يصدر عن هذا الكيان، فإننا نجدها حتى في اللغة، وفي طريقة عرض الأخبار، وفي ما يُسمّى «الرأي العام الدولي».
ها هو العالم اليوم يتحدّث بصوت واحد عن «صفقة» و«هدنة» و«وقف إطلاق نار» في غزة، والعنوان الأوحد الذي يملأ الشاشات والمواقع: «تحرير جميع الأسرى الإسرائيليين»!
لكن أحدًا لا يذكر، ولا حتى عرضًا، الأسرى الفلسطينيين الذين من أجلهم اندلعت كل هذه المواجهة في الأساس !
ففي السابع من أكتوبر، لم تخرج المقاومة الفلسطينية لتبادل التحايا، بل خرجت لتكسر قيدًا عمره عقود. خرجت لتقول للعالم إن آلاف الفلسطينيين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، مختطفون في سجون الاحتلال بلا محاكمات ولا تهم، وبعضهم منذ عشرات السنين.
ولأن العالم لا يسمع إلا من طرفٍ واحد، فقد كان لزامًا أن تُنتزع آذانه بالصدمة. كانت عملية السابع من أكتوبر، في جوهرها، رسالة واضحة: لن يكون هناك أمنٌ لمحتلٍّ طالما هناك أسير فلسطيني واحد في الزنازين.
لكن الإعلام الغربي الموجّه، ومن ورائه أنظمة التطبيع، قلبوا الحقيقة رأسًا على عقب. جعلوا من المحتلّ ضحية، ومن الضحية مجرمًا، ومن فعل المقاومة طلبًا للحرية عملاً «إرهابيًا».
تلك هي العنصرية التي تفرز دائمًا كيلًا بمكيالين: حياة الصهيوني «مقدّسة»، وحياة الفلسطيني لا تُرى إلا كرقمٍ في نشرة قتلى.
العنصرية التي تجعل جنديًّا صهيونيًّا أسيرًا خبرًا عاجلاً، بينما استشهاد مئات الأطفال في غزة مجرد «أضرار جانبية».
العنصرية التي تجعل العالم يطالب بالإفراج عن «الأسرى الإسرائيليين»، ويتجاهل أن في سجون الاحتلال أكثر من 8000 أسير فلسطيني، بينهم نساء وأطفال ومرضى ومسنّون، وأن بعضهم يقبع منذ ما قبل أوسلو، بلا محاكمة ولا تهمة سوى أنه قاوم الاحتلال.
من هنا، فإن أي حديث عن وقف إطلاق النار لا معنى له إذا لم يُطلق سراح هؤلاء أوّلًا، لأنهم هم أصل القضية، وهم الذين بسببهم بدأ كل شيء.
ما لم يعترف العالم بهذه الحقيقة البسيطة، فسيظلّ أسيرًا لعنصريته، وستظلّ الحروب تتكرّر، لأن العنصرية هي أصل كلّ المشاكل.
*آخر كلام*
النفاق هو الوجه الآخر للعنصرية، وهو السمة الأبرز في المنظومة الغربية التي نصّبت نفسها حَكَمًا على الإنسانية.
يتحدّثون عن حقوق الإنسان و«القانون الدولي»، لكنهم لا يرونه إلا بعينٍ واحدة؛ عينٍ لا تبصر إلا ما يمسّ الإسرائيلي، وتغضّ الطرف عمّا يُرتكب من جرائم يومية بحق الفلسطينيين.
يُقيمون الدنيا ولا يقعدون من أجل جنديٍّ صهيونيٍّ أُسر في معركة، لكنهم لا يحرّكون ساكنًا أمام آلاف المختطفين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ولا أمام المجازر اليومية التي تُرتكب في غزة.
إنها منظومة تُدين الضحية وتُبرّئ الجلاد، لأنها قائمة على نفاقٍ مؤسّسٍ وعنصريةٍ مُمَنهجةٍ لا ترى في الآخر سوى مادةٍ للهيمنة والاستغلال.
وما لم ينكشف هذا النفاق أمام الشعوب، ويُسمّى باسمه الحقيقي، فسيظلّ العالم يدور في حلقة الدم ذاتها، لأن العنصرية والنفاق توأمان.. ومنهما وُلدت كلّ الحروب.
———————–
* رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع


