أمريكا و”إسرائيل”.. هذا الوضع يجعلهما لا يعرفان معنى التاريخ والحضارة

هوية بريس – د.إدريس الكنبوري
ألقى المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في تل أبيب اليوم خطابا حماسيا أمام جماهير حاشدة زف فيه النبأ السعيد بالافراج عن الرهائن ووقف الحرب، وأشاد بدور ترامب، وكال المديح لنتنياهو وحكومته على ما سماه الشجاعة والصمود، وتحدث عن “عظمة إسرائيل” وشجاعة الشعب اليهودي. وقد ألقى خطابا نصفه شعر ونصفه الآخر نثر، وكان المكان غاصا بالبشر كأنهم في يوم الحشر.
المبعوث الأمريكي كان مرفوقا بصهر ترامب، جاريد كوشتر، الذي ألقى أيضا خطابا حماسيا.
الرجلان بشرا الإسرائيليين بالسلام، وقالا كلمات قديمة حول السلام النهائي وآخر الحروب والازدهار والرفاهية، نفس الكلمات التي قرأناها في الصحف قبل أن يظهر البارابول، ورأيناها في البارابول قبل أن يظهر الانترنت، كلمات يرثها بعضهم عن بعض منذ جورج بوش ورابين إلى اليوم.
وقد أجهدت نفسي لكي أفهم لماذا يقول الأمريكيون والاسرائيليون نفس الكلام منذ عقود ولا يملون، ولماذا يغنون للسلام والازدهار في كل مرة ثم يعاودون الكرة.
وبعد أن فكرت وقدرت ثم فكرت وقدرت وجدت أن السبب يكمن في أن كلا من أمريكا واسرائيل ليس لهما تاريخ كباقي الشعوب.
فأمريكا الحالية هي نتاج احتلال، وحتى تسمية أمريكا التي أخذ الامريكيون اسمهم منها هي اسم الأرض التي احتلوها إلى درجة أنهم لم يفكروا حتى في تغيير الاسم، واسم الامريكيين هو اسم الشعوب الأصلية التي كانت تقيم هناك، والأمريكيون الحاليون لم يظهروا إلا في القرن الثامن عشر رغم أن استيطانهم بدأ في القرن الخامس عشر.
واسرائيل لها نفس الوضع، فلم تظهر إلا في عام 1948، وهي تحتل فلسطين، ورغم أنهم أطلقوا على أنفسهم اسم إسرائيل إلا أن اسم فلسطين ما زال هو المسيطر.
هذا الوضع يجعلهما لا يعرفان معنى التاريخ والحضارة، لذلك يتعاملان مع الزمن باعتباره اللحظة، وليس الامتداد الزمني في المستقبل، فكل لحظة سعيدة بالنسبة لهم هي تاريخ، مهما كانت قصيرة، ولذلك ظهر شعار كوكاكولا “تمتع باللحظة”، فاللحظة عندهم هي الأهم، وإذا حصلت حرب جديدة غدا بحثوا عن لحظة أخرى، وهكذا دواليك.
لهذا نرى كلام الفلسطينيين بعد الاتفاق مختلفا عن كلام الامريكيين والاسرائيليين، فالفلسطينيون لا يتحدثون عن السلام الدائم الآن بل عن احتمالات الغدر من طرف الإسرائيليين، وعن النصر القادم، وعن الشهادة، وعن التحرير القادم، وعن وطنهم فلسطين الذي تمتد حدوده من الفاء إلى النون



