“التحذير من الإسراف والتبذير”.. استغراب واستنكار بعد “خطبة الجمعة”

13 أكتوبر 2025 15:17

هوية بريس – مصطفى الأعرج

اليوم تحدث الإمام في خطبة الجمعة عن الفرق بين التذبير والإسراف وأخطارهم… مستندا لقوله تعالى: “إِن المبذرين كانوا إِخوان الشياطين“، وشرح الخطيب كيف أن التبذير سلوك مذموم لأنه إسراف في غير وجه الحق واعتداء على نعمة الله.

وأنا أستمع إلى الخطبة تساءلت في نفسي:

إذا كان التبذير من صفات الشياطين فمن هو المبذر الحقيقي في واقعنا؟

هل هو المواطن البسيط الذي يكافح لتغطية مصاريفه؟

أم هي الحكومة التي تنفق الملايير على المهرجانات والاحتفالات والملاعب الضخمة بينما المستشفيات تئن والمدارس تنهار وسكان الحوز لا يزالون ينتظرون أبسط مقومات العيش الكريم؟

أنا هنا لا أتحدث عن قطاعات ثانوية مثلا بل عن قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والسكن قطاعات تعاني وبشكل صريح الإهمال والتهميش؟

حين ترى أقساما دراسية بلا سقف وأطباء يشتغلون في ظروف غير إنسانية وأناس لا زالو تحت وطأة الصقيع ولازالو يعانون في الخيام حتى بعد مرور سنتين ؟

ثم تقرأ عن صفقة جديدة لبناء ملعب دولي بميزانية خيالية،ألا يدفعك ذلك للتفكير:

هل الخطبة التي تحذر الناس من الإسراف لا ينبغي أن توجه أيضا لمن يبدد المال العام بلا حساب؟

ثم إن توحيد خطب الجمعة حول موضوع “التبذير” في هذا التوقيت بالذات يدعو للتساؤل:

هل الغرض هو تذكير الناس بواجب الاقتصاد في إنفاقهم؟

أم تهييء الرأي العام لتقبل السياسات الحكومية التي تفرض التقشف على المواطن بينما هي تسرف بلا رقيب؟

أنا أحترم منابر الجمعة وأوقر العلماء والخطباء والمجالس العلمية لكنني أريد أن تكون الخطبة صوتا للحق لا صدى للسلطة وأن تذكر الجميع من المواطن إلى الرئيس بأن المال مال الأمة لا مال الأفراد ما أحوجنا اليوم إلى خطاب ديني صادق يربط النص القرآني بالواقع العملي ويسمي الأشياء بأسمائها لا أن يوجه فقط للمواطن البسيط بينما تغض الأبصار عن مظاهر التبذير الكبرى التي صارت تمارس باسم “التنمية” و“الواجهة الدولية” إن الدين لم يبعث ليكون غطاء للسكوت عن الظلم ولا لتبرير السياسات التي تكرس الفوارق الطبقية بل ليكون صوتا للعدل والميزان. فالله تعالى يقول: “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط“.

فأين هو القسط حين تهدر الأموال في المظاهر ويترك الجوهر؟ أين هو العدل حين تمنح الملايين لفنانين أجانب بينما أبناء الوطن يفتقرون لأبسط وسائل العيش الكريم

إن التبذير ليس فقط في الطعام والشراب بل في القرارات والسياسات والاختيارات.

حين يصرف المال العام على مشاريع لا تمس حياة المواطن اليومية فذلك تبذير مضاعف لأنه يهدر المال ويهدر معه الثقة.

وما أشد خطر التبذير حين يقترن بالفساد فيصبح المال وسيلة لتلميع الصورة لا لخدمة الأمة.

ثم إن الخطاب الديني الحق لا يختزل التبذير في سلوك الأفراد بل يذكر الجميع بأن المسؤولية متدرجة:

فمن كان نفوذه أكبر كان حسابه أعظم.

وإذا كان الفرد يحاسب على درهم أنفقه بغير وجهه فكيف بمن يبدد أموال الملايين دون تخطيط أو محاسبة؟

لقد أصبحنا في حاجة إلى إصلاح ديني مواز للإصلاح الاقتصادي والسياسي إصلاح يجعل المنبر منبر حق لا منبر تهدئة.

نحتاج إلى أئمة شجعان يربطون بين قوله تعالى “ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” وبين واقع الإسراف في المال العام تماما كما يربطون بين الصدق والإخلاص في المعاملات اليومية.

إن أملي كبير في أن تستعاد هيبة الخطاب الدين كصوت ناصح للأمة كلها حاكما ومحكوما غنيا وفقيرا لأن الكلمة الصادقة هي التي تضيء الطريق لا التي تخدر العقول.

فحين يعود المنبر إلى دوره الرسالي الأصيل حينها فقط يمكن أن نقول إننا نسير نحو نهضة حقيقية قائمة على الحق والعدل والمحاسبة لا على المظاهر والاحتفالات.

وحين يستعيد المنبر صوته الحر ويعلو فيه صوت الحق بدل الصمت تتحول الخطبة من تكرار محفوظات إلى صرخة وعي توقظ الضمير الجماعي وتعيد الثقة بين الشعب ودينه والثقة بين الشعب وحكومته لان دولة المغرب تستمد احكامها من الشرع أساسا.

فالدين الذي نزل لإصلاح الأرض لا يليق به أن يحبس في دائرة الوعظ الأخلاقي البارد بل يجب أن يكون قوة محركة للتغيير تصحح المفاهيم وتواجه الانحراف مهما كان مصدره.

إن الأمة لا تنهض بالخطب التي تخدر الناس بل بالخطب التي تنير لهم طريق الوعي.

فالمنبر حين يحسن قراءة الواقع يصبح مدرسة لتربية المواطن المسؤول لا المواطن المستسلم.

والإمام حين يتحدث بجرأة وصدق يحيي سنة الأنبياء الذين ما خافوا في الله لومة لائم بل جعلوا من الكلمة الصادقة موقفا وشهادة.

وما أحوجنا اليوم إلى تلك الكلمة التي تزرع الأمل وتوقظ الغافل لا التي تبرر الفشل.

كلمة تعيد للدين هيبته وللحق مكانته وللمسجد دوره في صناعة الوعي والموقف.

فحينها فقط يمكن أن نرى المغرب الذي نحلم به:بلدا يكرم الإنسان قبل البنيان ويضع العلم قبل المهرجان ويجعل من المال العام أمانة لا غنيمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخوكم في الله مصطفى الأعرج.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
14°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة