وزارة التوفيق بين “الوعد الإلهي” للمنتخب.. و”الصمت الرسمي” عن المجازر والغلاء

هوية بريس – متابعات

أثار منشور رسمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، نُشر على صفحتها الرسمية في موقع “فيسبوك”، موجةً واسعة من الجدل والتعليقات المنتقدة، بعدما ربط فوز المنتخب الوطني للشباب بكأس العالم بـ“الوعد الإلهي” الوارد في قوله تعالى: “إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا” (الكهف: 30).

🔹 منشور مثير للجدل

وجاء في نص منشور الوزارة:

“الإحسان والإتقان في العمل قيمة عظيمة، والواقع العملي يؤكد هذا المعنى كما ظهر في فوز المنتخب المغربي للشباب بكأس العالم. لقد كان هذا الإنجاز نتيجة جدٍّ وإتقانٍ واجتهادٍ وصبرٍ وتخطيط. شبابنا عملوا بإخلاص، ورفعوا راية الوطن عاليًا، فأدخلوا الفرح على قلوب المغاربة، وجسدوا عمليًا وعد الله في القرآن: أن من أحسن عمله ينال الجزاء”.

الوزارة ختمت منشورها بعبارة: “فلنعتبر فوز المنتخب رسالة واضحة، وبذلك يصبح كل جهدٍ يُبذل بإخلاص مباركًا”.

لكن هذا التوظيف الديني لفوز كروي أثار استياء العديد من المعلقين، الذين اعتبروا أن الوزارة “تركب موجة الفرح الشعبي”، بدل أن تضطلع بدورها في ترشيد الخطاب الديني وتوجيهه نحو قضايا الأمة المصيرية.

🔹 سخرية وانتقادات واسعة

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع المنشور بمزيج من السخرية والاستغراب. فكتب أحد المعلقين ساخرًا:

“موضوع خطبة الجمعة المقبلة: الشرح التكتيكي لخطة المنتخب في نهائي كأس العالم”.

وعلق آخر:

“كرة القدم ولاعبوها ليسوا بالمثال الجيد في المثابرة والاتقان لشباب المستقبل، الأمثلة الأفضل كثيرة بعيدا عن الكرة. ذكروا الناس بما ينفعهم في دينهم ودنياهم”.

فيما استنكر آخرون بشدة الصمت الرسمي للوزارة تجاه المجازر المستمرة في غزة منذ أكثر من عامين، قائلين:

“الرجال الحقيقيون الآن في غزة، يقاتلون ويجاهدون، وأنتم تُدخلون كرة القدم في خانة العمل الصالح! حسبنا الله ونعم الوكيل”.

كما كتب أحدهم بلهجة غاضبة:

“ركوب الأمواج تعطيوه صلية، والفقيه لي تسنينا براكتو دخل لجامع بلغتو! إلى أين وصل العبث؟”.

🔹 بين التبشير الكروي والصمت السياسي

ورغم أن منشور وزارة الأوقاف بدا في ظاهره احتفاءً بإنجاز وطني، إلا أنه أعاد إلى الواجهة سؤال أولويات المؤسسة الدينية الرسمية في لحظة تتسم بتصاعد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع الأسعار، إلى جانب المجازر المروعة التي يشهدها قطاع غزة.

ويرى متابعون أن الصمت المطبق للوزارة عن جرائم الاحتلال في فلسطين، مقابل حماسها في الإشادة بفوز رياضي، يعكس انزياحًا في بوصلتها ورسالتها، حيث غابت المواقف الروحية والمبدئية التي اعتاد المغاربة سماعها من منابر الجمعة حول قضايا الأمة المركزية.

🔹 بين “الإحسان في العمل” و”الإحسان في الموقف”

ويشير بعض المعلقين إلى أن الوزارة أحسنت في التذكير بقيمة الإتقان في العمل، لكنها أخطأت في توظيف الآيات القرآنية في سياق لا يتناسب مع معانيها المقصودة، معتبرين أن “العمل الصالح” في المفهوم القرآني لا يُقاس بمباراة كرة قدم، بل بما يخدم القيم والحق والعدل.

في المقابل، يرى آخرون أن منشور الوزارة محاولة لتبسيط القيم الدينية وتقريبها من الشباب بلغة الواقع، لكنهم يؤكدون أن الربط بين الوعد الإلهي ونتائج المباريات يظل منزلقًا تأويليًا غير موفق، خصوصًا في سياق مأساوي يرزح فيه العالم الإسلامي تحت نيران الحروب والمجاعات.

🔹 غياب التفاعل مع قضايا الأمة

تتزامن هذه الضجة مع تصاعد الغضب الشعبي من استمرار صمت وزارة الأوقاف إزاء المجازر في غزة، وتجاهلها الحديث عن العدوان الصهيوني في خطب الجمعة أو بياناتها الرسمية، في وقتٍ لم تتردد فيه في إصدار منشور احتفائي بفوز كروي.

ويرى مراقبون أن هذا السلوك يعكس تراجعًا خطيرًا في الدور القيمي للمؤسسة الدينية الرسمية، التي يُفترض أن تكون صوت الضمير الجمعي في مواجهة الظلم والعدوان وانتشال الناس من مهاوي التفاهة والعبث والضياع.