نهاية مشكلة الصحراء وبداية نهاية التوتر بين الجزائر والرباط

26 أكتوبر 2025 13:16

نهاية مشكلة الصحراء وبداية نهاية التوتر بين الجزائر والرباط

هوية بريس – بلال التليدي

خلال الأسبوعين الماضيين حصلت أربعة تطورات مهمة تهم العلاقة بين المغرب والجزائر ومستقبل النزاع في الصحراء، كلها تؤكد التوقعات التي استشرفناها في مقالات سابقة: الأول، هو التحول في مؤشرات الموقف الروسي لجهة دعم مقترح الحكم الذاتي، إذ صرح وزير الخارجية الروسي في ندوة صحافية قبل أيام من انعقاد مجلس الأمن لاتخاذ قرار بشأن ملف الصحراء أن موسكو مستعدة للترحيب بمخطط الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب لتسوية هذا النزاع ومباركته باعتباره أحد أشكال «تقرير المصير»، شريطة أن يتم ذلك عبر اتفاق جميع الأطراف وتحت إشراف أممي، والثاني، هو تصريح المبعوث الأمريكي للشرق الوسط ستيف ويتكوف الذي كشف بأن واشنطن تتوسط بين المغرب والجزائر وأن اتفاق سلام بين البلدين سيعرف النور بعد ستين يوما، والثالث، هو إصدار جبهة البوليساريو بلاغا تعلن فيه عن تطور موقفها، وأنها تتخلى عن موقفها السابق بتقرير المصير عبر الاستفتاء، وتنفتح لمقترح موسع لتقرير المصير، يتأسس على قاعدة تحمل نصف «كلفة السلام» مع المغرب من أجل إنهاء النزاع، والرابع، هو تصريحات للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمام قادة الجيش، والتي حاول فيها الفصل بين العلاقات المغربية الجزائرية والنزاع حول الصحراء، مؤكدا وجود وساطة من أشقاء لفتح الحدود بين البلدين، ودخول قوة عظمى على الخط، وأن هذه القضية تحل بين البلدين بالتفاوض، وأشار إلى أن قضية الصحراء تحل بين المغرب والصحراويين، وأن الجزائر لن تكون أكثر صحراوية من الصحراويين إذا توصلوا إلى حل مع المغرب لإنهاء النزاع، وبدا واضحا من هذه التصريحات وجود تغير في الموقف الجزائري، إذ غابت لغة التشبث بإغلاق الحدود، ولغة الشروط، كما ظهرت لغة التحسر على غلق الحدود، وتغير وصف المخاطب، من الوصف من ذكر الرباط بصيغة النكرة المجهولة إلى صيغة «الأشقاء».

هذه التصريحات تصب في عنوان كبير، هو أن مفتاح حل مشكل الصحراء، كما كان دائما التحليل المغربي، يتم ابتداء من خلال تفاوض مباشر بين المغرب والجزائر لإنهاء المشاكل العالقة بين البلدين، وطرح كل الإشكالات على الطاولة، وأن مشكلة الصحراء في جوهرها هي مشكلة فرعية على هامش هذه المشكلة الأصل.

تحليل متجهات هذه التصريحات، يشير إلى وجود مسارين متوازيين، مسار الأمم المتحدة، ومسار التحرك السياسي والدبلوماسي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر.

المسار الأول، والذي يعنى بحل مشكلة الصحراء، والتوافق على إطار للتفاوض بين المغرب وجبهة البوليساريو للتوصل إلى حل سياسي للنزاع، أظهرت الديناميات السياسية والدبلوماسية وذلك على مدى خمس سنوات ماضية، حصول تحولات في الموقف الدولي حدثت تباعا (تحول الموقف الإسباني لجهة دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، والتحاق فرنسا وبريطانيا بنفس الموقف) بما يجسد وحدة الموقف الغربي، لتأتي بعد ذلك موسكو لتعلن استعدادها لدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، وإقرارها بأن تقرير المصير في القانون الدولي، لا يتحقق فقط بخيار الاستفتاء، وإنما أيضا بخيار للحكم الذاتي الذي وصفه وزير الخارجية الروسي بأنه أحد أشكال تقرير المصير، بل ذهب سيرجي لافروف أبعد من ذلك في سياق توصيفه لمراحل تطور مشكل الصحراء، فوصف مرحلة ما بعد المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي فان فالسوم (2008) بمرحلة تغير الموقف الأممي برمته لجهة استبعاد خيار الاستفتاء.

وضمن هذا المسار، يمكن أن ندرج تحول موقف البوليساريو لجهة القطيعة مع مقترح الاستفتاء، وطرح «مقترح موسع»، لم تكشف عن مضمونه، سوى ما كان من إشارة إلى استعداد لتحمل كلفة السلام، ودعوة المغرب لبذل الموقف نفسه، لكن لغة البلاغ الذي أصدرته الجبهة، يشير بوضوح، إلى أنها تعني بذلك استعدادها للتفاوض ضمن إطار مقترح الحكم الذاتي، إذ لا خيار يتيحه القانون الدولي لتقرير المصير غير الاستفتاء التي تخلت عنه حسب نص بلاغها، ومقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، وتسعى جبهة البوليساريو أن تجعل منه منطلقا لبحث مضمونه وتفاصيله، وما يتعلق بتوزيع السلطة السياسية والثروة بين السلطة المركزية وبين إقليم الحكم الذاتي.

أما المسار الثاني، فيمكن أن نورد عليه مؤشرين اثنين إلى جانب تصريحات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الأول، هو تصريح كبير مستشاري الرئيس الأمريكي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط بولس مسعد الذي قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة الشرق بأن الجزائريين يرحبون بإعادة تحسين العلاقات مع الجيران المغاربيين، ومع المغرب ومع الشعب المغربي، ومع جلالة الملك والحكومة والدولة المغربية، والثاني، وهو الوساطة التي قامت بها المملكة العربية السعودية، إذ استقبلت الرباط والجزائر مبعوث خادم الحرمين وولي العهد السعودي، وتلقيا رسالة منهما، أشار الرئيس الجزائري إلى مضمونها حين أقر بوجود وساطة من أشقاء لفتح الحدود بين المغرب والجزائر.

يتوجه المسار الثاني إذن لإنهاء التوتر بين المغرب والجزائر، وذلك في ظرف شهرين كما صرح بذلك ستيف ويتكوف، ستكون محور تفاوض حول حيثيات تطبيع العلاقات بين البلدين، بينما يسير المسار الآخر بشكل متواز معه، بالنحو الذي يخرج فيه قرار مجلس الأمن في نهاية المطاف بقرار يعتبر الحكم الذاتي الإطار الذي سيتم فيه حـل النزاع، على أن يسهم الحـوار بين المغرب والجزائر لتطبيع العلاقات بينهما، في الضغط على الجزائر من أجل أن تشجع جبهة البوليساريو على التفـاوض مع المغرب، بعيدا عن الرؤية التقليدية التي كانت تحملها من قبل.

في واقع الأمر، تبدو حصيلة هذا الحراك المتنوع الأبعاد ضمن المسارين السابقين، ناتجا عن تغير استراتيجي في رؤية الفاعلين الدوليين للمنطقة وأدوارهم المستقبلية فيها، فواشنطن تعيد التمركز الاستراتيجي، بالرهان على القارة الإفريقية بوصفها القارة الواعدة في الاستثمارات، وفي مصادر الطاقة والمعادن الثمينة، وأن الوضع الحالي المحكوم من جهة بالصراع الإقليمي بين الجزائر والمغرب، واستمرار الصراع حول الصحراء لحوالي نصف قرن، وتنامي التحديات الأمنية بمنطقة الساحل جنوب الصحراء، يتطلب رؤية جديدة، تستلزم أن تكون كل من الجزائر والمغرب بوصفهما قوتين عسكرتين قادرتين على حماية حدودهما، في حالة تطبيع وجوار وتنسيق وتعاون، بما يساعد واشنطن على امتلاك الأدوات الكاملة لفرض رؤيتها الأمنية والسياسية بالمنطقة، بحكم أن موريتانيا، منخرطة في هذا المسار، إذ سيكون من نتائج تحقق هذه المستلزمات، أن يحدث تغير مهم في التعامل مع دول الساحل جنوب الصحراء خاصة دول الانقلابات الثلاث (النيجر، ومالي، وبوركينافاسو) وسيمكن من إضعاف الموقع التفاوضي لموسكو في المنطقة، وكسر جزء من الهيمنة الاقتصادية الصينية على المنطقة.

السيناريو الذي يمكن توقعه لا يخرج عن صدور قرار مجلس الأمن نهاية شهر أكتوبر بجعل الحكم الذاتي إطار التفاوض المباشر بين الرباط وجبهة البوليساريو، وبداية بروز مؤشرات الانفراج السياسي والدبلوماسي بين الجزائر والرباط، بالشكل الذي يجعل حل المشكلين يتم بشكل متزامن، وبما يكرس فرعية مشكلة الصحراء قياسا إلى المشكلة الأصلية بين الجزائر والرباط.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة