الحسيني يحذِّر من أي “استغلال سياسي أو دولي” لملف الاستفتاء المقرر في مشروع الحكم الذاتي

29 أكتوبر 2025 16:44

هوية بريس- عبد الصمد ايشن

أكد المحامي وأستاذ العلاقات الدولية، تاج الدين الحسيني، أن المرحلة الراهنة تعد من أنسب اللحظات لمناقشة مشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، خاصة وأن مجلس الأمن الدولي على وشك التصويت على مشروع قرار جديد تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها «حاملة القلم» داخل المجلس في ما يتعلق بملف الصحراء، وضمن ما يُعرف بـ«مجموعة أصدقاء الصحراء» التي تضم قوى دولية مؤثرة.

وأوضح الحسيني خلال مشاركته في ندوة حول موضوع “الحكم الذاتي آلية لتقرير المصير”، التي نظمتها لجنة الوحدة الترابية لحزب الاستقلال بشراكة مع مؤسسة علال الفاسي تخليدا للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، أن الحديث عن الحكم الذاتي يأتي في سياق رمزي وتاريخي بالغ الأهمية، تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء التي شكلت نموذجًا فريدًا في التاريخ الحديث لاسترجاع الأرض بالوسائل السلمية، وتجسيدًا لروح التلاحم الوطني بين العرش والشعب.

وأشار الخبير في العلاقات الدولية، إلى أن مفهوم الحكم الذاتي في أدبيات الأمم المتحدة يعكس الصيغة القانونية لمبدأ سياسي هو مشاركة الشعوب في حكم نفسها، أي جوهر الديمقراطية بمعناها الواسع: حكم الشعب بالشعب وللشعب.
وأضاف أن لجنة أممية مختصة حددت ثلاثة مقومات أساسية للحكم الذاتي: ممارسة السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية من طرف السكان المعنيين، وهي الركائز التي تربط بين الديمقراطية والممارسة الفعلية للقرار السياسي.

وفي معرض تحليله، شدد الحسيني على أن المغرب عندما قدم سنة 2007 مشروع الحكم الذاتي، لم يقدمه كحل سياسي ظرفي، بل كخيار استراتيجي نابع من مشاورات واسعة مع دول صديقة وشقيقة.
وأوضح أن المشروع لم يُصمم حصريًا للأقاليم الجنوبية، بل هو جزء من رؤية شاملة لمستقبل المغرب في إطار الجهوية المتقدمة، تمهد في المدى البعيد نحو نظام فيدرالي متطور أثبت نجاحه في دول كبرى مثل الولايات المتحدة ودول أوروبية.

وفي ما يخص مواقف الدول الكبرى، أشار الحسيني إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أول من اعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية سنة 2020 في عهد الرئيس دونالد ترامب، تلتها فرنسا التي اعتبرت، على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون، أن مقترح الحكم الذاتي هو الحل الوحيد الواقعي والعادل والدائم للنزاع.
كما ذكّر بأن دولًا أخرى مثل إسبانيا وبريطانيا وعدد من الدول الإفريقية والعربية سارت في الاتجاه نفسه، وأكدت دعمها العملي بفتح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، في خطوة تعد اعترافًا ميدانيًا بالسيادة المغربية.

ورأى الحسيني أن النهج الدبلوماسي المغربي القائم على الواقعية والتدرج قد يجعل المجتمع الدولي يعترف، خلال السنوات القليلة المقبلة، بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه، مبرزًا أن حوالي 120 دولة اليوم تعتبر مشروع الحكم الذاتي الصيغة الأنسب لإنهاء النزاع وضمان السلم والاستقرار الإقليمي.

وفي ما يخص مواقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أوضح أن لا الصين ولا روسيا استخدمتا يومًا حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يتعلق بالصحراء المغربية، معتبرًا ذلك مؤشرًا على حيادهما الإيجابي وعدم معارضتهما للحل المغربي.
وأضاف أن الصين، التي تواجه بدورها قضايا تمس الوحدة الترابية، لن تعارض مبدأ السيادة والوحدة الوطنية، فيما أكد أن روسيا تربطها بالمغرب شراكة استراتيجية معمقة منذ سنة 2016 تشمل مجالات الاقتصاد والثقافة والطاقة، مذكّرًا بتصريحات وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي وصف المشروع المغربي بأنه «مشروع جيد ومتوازن».

وأكد الحسيني أن التاريخ والقانون الدولي يؤكدان شرعية الموقف المغربي، مشيرًا إلى أن محكمة العدل الدولية عام 1975 أقرت بوجود روابط بيعة وولاء بين القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب، ما ينفي كليًا أن الصحراء كانت «أرضًا بلا مالك».
كما ذكّر بأن المغرب استعاد وحدته الترابية تدريجيًا، بدءًا من الشمال ثم تافيلالت وطرفاية وسيدي إفني وصولًا إلى الصحراء، مشيرًا إلى أن سكان الأقاليم الجنوبية اندمجوا اندماجًا كاملًا في الحياة الوطنية وشاركوا بكثافة في الاستحقاقات الانتخابية، في تعبير صريح عن تقريرهم لمصيرهم ضمن الوطن الواحد.

وفي المقابل، لم يُخفِ الخبير المغربي وجود إكراهات واقعية ينبغي التعامل معها بجدية، أبرزها ملف عودة اللاجئين، وانتخاب المجلس الانتقالي، والمشاركة المحتملة لجبهة البوليساريو، ونزع السلاح وإعادة الإدماج، والعفو العام، وتنظيم الأمن المحلي.
واعتبر أن هذه المسائل تستدعي تنسيقًا وثيقًا بين الدولة المغربية والمؤسسات الأممية لضمان انتقال سلمي ومستقر، مشيرًا إلى أن الاستفتاء المقرر في مشروع الحكم الذاتي يمثل محطة دقيقة وحساسة تتطلب تعبئة شاملة لتفادي أي استغلال سياسي أو دولي.

وختم الحسيني تصريحه بالتأكيد على أن قضية الصحراء ليست قضية حدود بل قضية وجود ووحدة ومصير، معتبرًا أن نجاح مشروع الحكم الذاتي سيكون مفتاحًا لبناء مغرب موحد وقوي، وقاطرة لإحياء حلم المغرب الكبير الذي يجعل المنطقة المغاربية فاعلًا في العلاقات الدولية، لا مجرد موضوع لها.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
19°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة