رهانات إنجاح قرار مجلس الأمن بخصوص مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية : مقاربة مندمجة (دبلوماسية وتنموية وحقوقية)

04 نوفمبر 2025 17:09

رهانات إنجاح قرار مجلس الأمن بخصوص مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية : مقاربة مندمجة (دبلوماسية وتنموية وحقوقية)

هوية بريس- ذ. عبد الاله دحمان
تقديم :

يعد القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية محطة مفصلية في تاريخ ومسار النزاع الإقليمي المفتعل ، إذ جدد التأكيد على مركزية مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 كحل سياسي واقعي، دائم، وذي مصداقية. غير أن نجاح هذا القرار لا يتوقف على الجانب الدبلوماسي فحسب، بل يتطلب مقاربة شمولية تدمج الأبعاد السياسية، والتنموية، والحقوقية، والإفريقية، في إطار رؤية استراتيجية متكاملة قادرة على تجسيد هذا الحل على أرض الواقع. وسنحاول في هذا المقال ملامسة أبعاد هذه المقاربات كالتالي :

أولا: المقاربة الدبلوماسية والسياسية

منذ طرح مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007 وقبلها كذلك ، اعتمد المغرب دبلوماسية متعددة المسارات والذكاءات ترتكز على الواقعية والشرعية الدولية. وقد تكرس هذا النهج من خلال توسيع دائرة الاعتراف بمقترح الحكم الذاتي كحل جاد وذي مصداقية في قرارات مجلس الأمن المتعاقبة (منذ القرار 1754 لسنة 2007 إلى القرار 2703 لسنة 2024).
وللحفاظ على نجاعة هذا المسار وإنجاح القرار الأممي الحالي، يتعين على المغرب :

1. الاستمرار في التعبئة الدبلوماسية الاستباقية مع الدول المؤثرة في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، فرنسا، روسيا، الصين)، لضمان تحصين الموقف المغربي ضد أي محاولة للالتفاف أو افراغ القرار من قوة المرجعية الأممية الوحيدة في هذا الاطار والممثلة في الأمم المتحدة. ويمكن التوسع في هذا الاتجاه من خلال الاطلاع على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، أكتوبر 2023، الفقرة 55.

2. تعزيز الحضور المغربي داخل المنتظم الاقليمي ،القاري والدولي، ولا سيما الاتحاد الإفريقي، لقطع الطريق أمام خصوم الوحدة الترابية الذين يسعون إلى تدويل النزاع خارج إطاره الأممي دون اغفال هنا دور الديبلوماسية الموازية لتنظيمات المجتمع المدني والحزبي والنقابي والجمعوي .

3. العمل على تحصين الوعاء الافريقي والعربي المنحاز لقضيتنا والحرص على تفعيل التحالفات المرتبطة به ، خصوصا تلك الداعمة للمبادرة المغربية، عبر إنشاء شبكات برلمانية ومدنية وحقوقية ونقابية تعبر عن الدعم الإقليمي المتزايد لمقترح الحكم الذاتي.

ثانيا: المقاربة التنموية والاقتصادية

إن الرهان الأساسي لانجاح مبادرة الحكم الذاتي يتجسد في القدرة على تحويل الأقاليم الجنوبية إلى نموذج للتنمية المندمجة والمستدامة وجعلها فضاء تنموي صاعد .
خصوصا وان المغرب أطلق منذ سنة 2015 النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي يرتكز على ثلاثة محاور كبرى:

1. تعزيز البنية التحتية الكبرى:

+ مشروع ميناء الداخلة الأطلسي كمنصة تجارية إفريقية.
+الطريق السريع تزنيت/الداخلة الذي يربط الشمال بالجنوب.
+تنمية الطاقات المتجددة في العيون والداخلة.
بالإضافة إلى مرتكزات أخرى أشار اليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من خلال تقريره حول النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، الصادر سنة 2021.

2. استكمال اجراءات تنزيل الجهوية المتقدمة كمقتضى دستوري وتمرين للحكم الذاتي:
بحيث تمثل الجهوية المتقدمة التي اعتمدها المغرب منذ دستور 2011 انتقالا تدريجيا نحو ممارسة واسعة للسلطة المحلية، وهو ما ينسجم مع مضمون الحكم الذاتي ويؤكد استعداد الدولة لمنح صلاحيات موسعة في التدبير الذاتي مع استكمال البناء التشريعي والقانوني المتعلق بهذه الجهوية التي سترسم صورة جديدة للملكة .

ثالثاً: المقاربة الحقوقية والاجتماعية

يعد البعد الحقوقي رهانا ديموقراطيا حقيقيا في سياق الاصلاحات السياسية المرتقبة ، و ركيزة مركزية في تعزيز مصداقية المشروع المغربي أمام المنتظم الدولي.
ويبرز ذلك من خلال:

1. دعم منظومة حقوق الانسان وما يتفرع عنها من حريات وفي مقدمتها تفعيل الادوار الممكنة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وخاصة فروعه في العيون والداخلة، وهو ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة في تقاريره المتتالية كمؤشر على الالتزام الحقوقي للمغرب.
2. تثمين وترصيد منجز إشراك الساكنة المحلية في تدبير الشأن العام، سواء عبر المجالس المنتخبة أو المؤسسات الوطنية والدستورية ، ثم العمل على إشراك النخب المحلية في المفاوضات، مما يعكس الطابع الديمقراطي للمبادرة المغربية.
3. الاهتمام بالعدالة المجالية في مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية، والتركيز على وضع سياسات اجتماعية تستهدف الشباب والنساء والطبقات الهشة بالأقاليم الجنوبية.

رابعا: المقاربة التواصلية /الاتصالية مع القارة الإفريقية

لا يمكن تحقيق نجاح سياسي دائم وتحصين مكتسباته، دون بناء خطاب تواصلي فعال يواكب التحولات الجيوسياسية لذلك نرى ان المغرب مدعو إلى:

1. الانفتاح على مستجدات العصر الرقمي وموجاته السريعة ، وذلك من خلال توظيف الدبلوماسية الرقمية والإعلام الدولي لتفنيد المغالطات التي تروجها الأطروحة الانفصالية ، وتقويض سيناريوهات التشويه الاي تستهدف المغرب وقضاياه ورموزه .

2. تعزيز وتطوير ما تقوم به الدبلوماسية الدينية والثقافية المغربية في إفريقيا، عبر مؤسسات مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، الذي يبرز الدور المغربي في الأمن الروحي ومكافحة التطرف، بما يخدم صورة المغرب كفاعل استقرار في القارة ، سيما التهديدات التي لازال يشكلها محور بعض التيارات في دول الساحل والصحراء والتي ينشط فيها البوليساريو وخصوم بلدنا .

خاتمة
إن إنجاح قرار مجلس الأمن حول مبادرة الحكم الذاتي رهين بقدرة المغرب على تحويل المبادرة من مشروع تفاوضي إلى مشروع مجتمعي متكامل يجمع بين الشرعية السياسية والتنمية الشاملة والانفتاح الحقوقي.
وبقدر ما يستطيع المغرب أن يظهر للعالم أنّ الحكم الذاتي ليس شعارًا، بل تجربة ديمقراطية وتنموية حقيقية، بقدر ما يُكرّس هذا الحل كخيارٍ نهائي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

المراجع

1. الأمم المتحدة، تقرير الأمين العام حول الحالة في الصحراء الغربية، أكتوبر 2023

2. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية: من التصور إلى التنفيذ، الرباط، 2021.
3. توفيق، محمد. الدبلوماسية الدينية في إفريقيا: نموذج إمارة المؤمنين. مجلة السياسة الإفريقية، العدد 32، 2022.
4. وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الوثائق المرجعية لمبادرة الحكم الذاتي، الرباط، 2023.
5. دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة