الترحال السياسي وبيع التزكيات حيت يتحول الترشح إلى استثمار ربحي

09 نوفمبر 2025 11:49
أزمة الثقة في الأحزاب: مؤشرات إنذار وتوصيات لإصلاح عاجل

الترحال السياسي وبيع التزكيات حيت يتحول الترشح إلى استثمار ربحي

هوية بريس – عبد الصمد إيشن

في كل التجارب الديمقراطية عبر العالم، تكون لحظة الاستحقاق الانتخابي، محطة للمحاسبة الشفافة للمسؤولين، أيضا لحظة لاختيار ممثلي الأمة بكل حرية، وما يجسده كل ذلك من تعاقد سياسي يمنح للمسؤولين فرصة للحكم عبر صناديق الاقتراع.

ما يقع في بعض التجارب هو أن لحظة الانتخابات تشوبها بعض الاختلالات التي تسيء لجوهر الديمقراطية دون نقاش، مثل ظاهرة الترحال السياسي، حيث يُنتخب شخص ما في دائرة انتخابية باسم حزب ما، ثم تجده غدا مترشحا باسم حزب مخالف لمرجعية الأول. أيضا ظاهرة المتاجرة في التزكيات الحزبية، إذ المفروض أن تكون التزكية لأي مناضل حزبي نابعة من المحطات الانتدابية التي تصوت لصالح تزكيته، إلا أن بعض الوقائع أثبت سَلْكَ طريق آخر غير ديمقراطي لمنح التزكية عبر المال للمنتخبين.

أصبحت ظاهرة الترحال السياسي في المغرب روتيناً مألوفاً لدى الناخبين بمجرد أن يُنادى إلى صناديق الاقتراع، وعن طريقها يتم تغيير أوزان كيانات سياسية فرضت عليها عملية ترحيل قسري لمرشحيها الذهبيين.

ظاهرة الترحال السياسي في المغرب ليست جديدة، ففي انتخابات 2016 التي فاز بها حزب العدالة والتنمية، لجأ حزب الأصالة والمعاصرة إلى استقطاب أسماء سياسية كبيرة من أحزاب أخرى، خصوصاً حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب إداري يقوده أمين عام يُعد من أغنياء العالم.

حزب التجمع الوطني للأحرار أراد أن ينقذ ماء وجهه فلجأ في 2020 إلى استقطاب بعض أعضاء الأحزاب السياسية في مناطق مغربية ليراهن عليها في الانتخابات المقبلة، وذلك بالتحايل على القانون عن طريق عدم كشف هوية المنتخبين والبرلمانيين والسياسيين الذين غيروا لونهم السياسي لصالحها.

ففي سنة 2011، ومن خلال الدستور الأخير للمملكة منع المشرع المغربي ظاهرة الترحال السياسي بين الأحزاب، ووضع عقوبة فقدان المقعد البرلماني إذا ما ثبت تخلي الشخص عن انتمائه الحزبي، وهذا المبدأ تم تنزيله وتكريسه في باقي القوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بالانتخابات، سواء الجماعات الترابية أو الغرف المهنية.

بالموازاة مع تفشي ظاهرة الترحال السياسي في المغرب، أصدرت المحكمة الدستورية أحكاماً بتجريد عدد من النواب البرلمانيين من مقاعدهم، عند ثبوت واقعة تخليهم عن الانتماء السياسي الذي ترشحوا باسمه لانتخابات أعضاء مجلس النواب.

وتستند المحكمة الدستورية في أحكامها على أن الفصل 61 من الدستور ينص في فصله 61 على أنه “يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها”.

وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي عبد النبي صبري، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس، إن “الترحال السياسي هو ظاهرة تعرفها أغلب الأحزاب السياسية عبر العالم، وقد لاحظنا أن الهند، مثلا، اعتمدت منذ ثمانينيات القرن الماضي قانونا خاصا لمكافحة الانشقاق الحزبي بعدما أحدثت الظاهرة آثارا سلبية داخل المجتمع”.

ما يلفت الانتباه هو أن ظاهرة الترحال السياسي تكاد تخضع لقانون تكرار ثابت، يظهر بشكل أكثر حدة مع اقتراب الانتخابات، ويستفيد في حالات كثيرة من غياب الإطار القانوني الصارم، خصوصا على مستوى الجماعات الترابية.

وأوضح المحلل السياسي ذاته “إن هناك قاعدة تحكم هذه المسألة، مفادها أنه “كلما اقتربنا من الانتخابات، إلا وكنا أمام تأسيس أحزاب جديدة، وظهر الترحال السياسي من جديد”، مشيرا إلى أن هذه القاعدة ستتكرر أيضا في الانتخابات المقبلة.

واعتبر أن هذه الظاهرة، رغم تبني نظام الاقتراع باللائحة، ما زالت تحكمها عقليات مرتبطة بالاقتراع الفردي، موضحا أن الناس “ما زالوا يصوتون على الشخص، سواء أكان من الأعيان أو من المؤثرين المحليين، وليس على البرنامج أو الحزب”.

وقال إن المنتخب حين يغير حزبه السياسي، فإنه يجر وراءه قاعدته الانتخابية، خاصة إذا كان له وزن داخل منطقته، بغض النظر عما إذا كانت هذه القاعدة مؤسسة على المبادئ أو على منطق المصلحة ودعم من يدفع أكثر.

وفي سياق متصل، كشف تقرير صادر عن مركز المؤشر للدراسات والأبحاث، تحت عنوان “من الانحباس السياسي إلى سيناريوهات ما بعد 2026″، أن الترحال السياسي يمثل إحدى أبرز مظاهر التآكل التنظيمي داخل المشهد الحزبي المغربي، حيث يضعف الاستقرار المؤسساتي ويقوض مصداقية الأحزاب، وأورد التقرير معطيات تفيد بأن أكثر من 30% من البرلمانيين غيّروا انتماءهم الحزبي بين سنتي 2016 و2021، وهو رقم يعكس هشاشة الولاء الحزبي وضعف البنية الأخلاقية والسياسية للمنظومة.

وأشار التقرير إلى أن مظاهر هذا التآكل لا تقتصر على الترحال، بل تشمل أيضا ضعف عقد المؤتمرات الحزبية، وغياب آليات التداول الديمقراطي، واحتكار القرار من قبل الزعامات، ما يؤدي إلى إفراغ العمل الحزبي من مضمونه التعددي، وطرح التقرير تساؤلا حول ما إذا كان المغرب يشهد نهاية عصر الأحزاب التقليدية، أم أن الأمر يتعلق بأزمة عابرة يمكن تجاوزها بإصلاحات داخلية عميقة.

اليوم، مطالب بعض الأحزاب بضرورة وضع آليات مشددة وذات فاعلية من أجل التصدي للفساد الانتخابي، أعادت إلى الواجهة التشخيص الذي كانت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة قد أعدته حول نواقص مكافحة الفساد السياسي بالمغرب، والذي نبه إلى أن المغرب لا زال أمامه الكثير للوصول إلى إجراء محطات انتخابية أكثر شفافية ومصداقية، رغم وجود بعض التحسن.

ونبّه التشخيص إلى عطب أساسي يحد من فعالية أي إجراء يستهدف محاربة الفساد الانتخابي والسياسي، في ظل عدم سريان مقتضيات مشروع القانون المتعلق بحماية الضحايا والشهود والخبراء على المُبلغين عن جرائم الفساد الانتخابي، مما يشكل، حسب التشخيص، تساهلًا غير مبرر مع مظاهر الفساد السياسي والانتخابي، وعقبة أساسية أمام آليات مواجهته.

من جهة أخرى، فإن الفساد الانتخابي لا يمر عبر صناديق الاقتراع فقط، بل ينطلق مبكرًا من حروب التزكيات التي تشهدها بعض الأحزاب من طرف بعض مناضليها الطارئين، ممن يرغبون في الحصول على “رخصة برلماني” لأغراض خاصة، وهو أمر كان محصورًا على بعض الهيئات السياسية، قبل أن تنتقل عدواه إلى أحزاب كانت تحظى بالاحترام، بعد أن أسقطت بدورها الفيتو الذي كانت ترفعه في وجه أصحاب “الشكارة” قبل عقدين من الزمن.

وفي انتظار الآليات التي سيتم تفعيلها من طرف وزارة الداخلية والقضاء لمحاصرة مفسدي الانتخابات، فإن الثابت أن آلية الفساد الانتخابي تطورت، علمًا أن بعض الممارسات أصبحت عرفًا جاري العمل به، بعد أن تم التطبيع معها من طرف بعض المرشحين الذين لا ينتظرون توقيت الحملة، بل يشرعون مبكرًا في نشاطهم “الخيري” بحضور الجنائز والتكفل بمصاريفها، وتغطية نفقات العقيقة والختان وجميع المصائب الطارئة التي تلحق بسكان دوائرهم الانتخابية.

إن التزكيات في السياق المغربي تحوّلت في العديد من الأحيان إلى صفقات انتخابية مشبوهة، تُباع فيها “التزكية” لمن يدفع أكبر نسبة من المال، أو لمن يضمن أكبر عدد من الأصوات، بصرف النظر عن خلفيته الفكرية، أو تاريخه الشخصي، أو مدى التزامه بخط الحزب.

وهذا ما يؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات، وانسحاب عدد كبير من المواطنين، وخاصة الشباب، من العمل السياسي، لأنهم لا يرون فيه إلا مسرحية عبثية تُعاد فصولها عند كل استحقاق انتخابي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
19°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة