هدية أم رشوة؟.. عندما تُباع الأمانة
هوية بريس – ذ.نبيل العسال
في كثير من الشركات يأخذ الأجير من الممونين أو غيرهم هديةً عادة مالية في ظرفٍ لشكر الأجير كما يدَّعون، وخصوصًا في قسم المشتريات، ويُعدُّ هذا -للأسف- عرفًا سائدًا بين الناس، والله المستعان.
وهذا الممون إنما يعطي الأموال لهذا الأجير ليحصل على خدماتٍ مجانيةٍ أو تمييزٍ غير مستحق؛ فغالبًا ما يُطلَب من هذا الأجير -مقابل ذلك المبلغ- أن يختاره من بين الممونين رغم أن سعره أعلى أو أن جودة منتوجه أقل، وأن لا يدقق معه كثيرًا في الجودة أو في السعر، أو أن يمنحه خدماتٍ تفضيليةً لا يستحقها، ويفضّله على غيره من الممونين دون وجه حق.
وبذلك يبيع هذا الأجير ذمته، ويخون الأمانة، ويصبح غير أمينٍ على مصلحة الشركة التي ائتمنته على أموالها ومصالحها، فيتحول من موظفٍ مؤتمن إلى شخصٍ ينتفع على حساب مصلحة الشركة، والعياذ بالله.
بل بلغني أن كثيرا من الشركات تخصص ميزانية لهذا الغرض ، ويقولون لا يمكن ان نعمل بدون هذا العمل الشنيع…
√ ثبت عن النبي ﷺ أنه استعمل رجلًا من الأزد على الصدقة، فلما قدم قال: «هذا لكم وهذا أُهدي لي»،
فقال النبي ﷺ: «هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أَيُهدى له أم لا؟» رواه البخاري.
وفي هذا الحديث دليلٌ واضحٌ على أن الهدايا التي تُعطى للموظف أو الأجير لأجل عمله الذي يتقاضى عليه أجرًا محرّمة.
قال الإمام النووي رحمه الله: “وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام”.
وروى أبو داود من حديث بريدة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول».
وهذا نصٌّ صريح في أن الموظف ليس له من عمله إلا ما يأخذه من جهة توظيفه،
وما زاد على ذلك من مالٍ أو هديةٍ أو عطيةٍ بسبب العمل فهو سُحتٌ وحرام ورشوة.
√ لو أن هذا الموظف ترك عمله وجلس في بيته،
لما أهدى له أحد شيئًا،
فدلّ ذلك على أن ما يُعطى له ليس تكريمًا لشخصه،
بل هو مقابل لمنصبه أو لتيسير مصلحةٍ،
فهو رشوةٌ محرّمةٌ في الشرع،
وإن سُمِّيت هديةً أو إكراميةً،
فالأسماء لا تُغيّر من الحقيقة شيئًا.
√ فينبغي على المسلم أن يتورّع عن أموال الشبهة والحرام،
وأن يكتفي بما قسم الله له من الرزق الحلال،
فقد قال النبي ﷺ: «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب».
رواه ابن ماجه.
واعلم أن الله تعالى يبارك في القليل الحلال،
ويمحق الكثير من الحرام،
فمن ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه.
