الفوائد التي تعطيها “البنوك الربوية” على (قروض “المودعين”)

هوية بريس – د.ميمون نكاز
يا سادة، البنوك التقليدية تقترض بنسبة لتقرض بنسبة أعلى، وتوصيف القروض بالودائع توصيف موهوم في العرف العقدي للبنوك التقليدية ذواتها، و”الودائع الصرفة” لا فوائد عليها، بل تخصم منها أثمان الخدمات البنكية، ونسبة الربح في المضاربات الاستثمارية والإنتاجية غير ثابتة، وقد تحدث فيها الخسارة، وتكون من جملة الأرباح لا بالنظر إلى أساس رأس المال…].
أرسل إلي أحد الدكاترة الأفاضل المشتغلين بالفقه هذا المقطع، يتضمن جوابا من الفقيه لحسن اد سعيد حفظه الله تعالى عن سؤال متعلق بالفوائد التي تعطيها “البنوك الربوية” على (قروض “المودعين”)، قد اعتبر في جوابه -غفر الله لنا وله- “الفوائد الربوية القارة الثابتة” باعتبار النسبة المحتسبة بالنظر إلى “رأس المال المقرَض””، وليستِ المقدرة قيمتُها بالنظر إلى جملة الأرباح” المتحققة من “المكاسب التجارية والإنتاجية” التي يتوهم المجيب أن “البنوك التقليدية” تمارسها، قد سمى الفقيه – هدانا الله وإياه إلى الحق- المال الموضوع في البنك “وديعة” غلطا وخلافا لوضعها الحقيقي” و”تكييفها القانوني” و”توصيفها الاقتصادي” عند أرباب الاقتصاد الوضعي وفي البنوك نفسها…
والأعجب الأغرب في قوله حفظه الله تعالى بناؤه لحكمِ جواز هذه المعاملة وأخذ تلك الفائدة على “انتفاء قصد المراباة” عند “مودع المال” من جهة، ومن جهة أخرى لأن البنك “استثمر” تلك الأموال فأنتجب أرباحا، لهذا المودع حق في جزء منها، هذا مقتضى تصويره للمسألة، وإن لم يصغها بهذه الصياغة، والمعلوم في الإجماع الفقهي أن الودائع أمانات لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن صاحبها، مع الضمان إن ضاعت، أو بإذن صاحبها “إقراضا”، أو بإذن صاحبها على أساس تقاسم الأرباح وتحمل الخسائر بالنسب المتفق عليها “مضاربة”، لذلك فإن توصيف “الوديعة” غلط ظاهر، وأن التوصيف الحقيقي لهذا “الإيداع المالي” هو “القرض”، هب أنك أقرضت شخصا فأفادك “فائدة مستحقة” بموجب التزام عقدي منصوصٍ من قبله لا تعلمه أنت يقتضي منه دفعَها إليك، هل جهلك بهذا الالتزام والوعد العقدي الملزم من قبله تجاهك يجعل تلك الفائدة سائغة مريئة إذا انتفى القصد من قبلك، هذا قول عجيب صدوره من فقيه، كأن انتفاء القصد في العقد يحل الربا ويجيزه، لو قيل بانتفاء الإثم لمجهولية العقد عند صاحب المال الذي ينظر إليه البنك باعتباره “مُقْرِضًا” والذي يصر الفقيه على تسميته” مُودِعا” غلطا منه في “التكييف” وخطأ منه في “التوصيف”، لو قيل ذاك لصح ذلك فقها، مع وجوب رفض “الفائدة الربوية” والاكتفاء بأخذ رأس المال وحده بلا زيادة كما هو مقتضى الآية الشريفة المعلومة { فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}[ البقرة، وما يتعلق بكيفية التعامل مع مجموع الفوائد الربوية المترتبة بعد حظرها وتحريمها على صاحب “القرض/الوديعة!!!” فذلك فرع سلوكي إجرائي…
المقصود من هذا الإيضاح الفقهي الاستدراكي -مستصحبين التقدير وحسن الظن بالفقيه- بيان غلط الفقيه حفظه الله تعالى في “تكييف المسألة”: تكييف طبيعة الأموال الموضوعة في البنوك التقليدية”، “تكييف الفائدة المستحقة بموجب الالتزام البنكي” وبناء على هذين الغلطين جاء الغلط في الفتوى…{ هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}[ آل عمران١٣٨]، {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين}[النحل٩]…
ملاحظة: قولنا (قروض المودعين) قصدنا به دفع وهم اعتبار الأموال الموضوعة في البنوك، التي يتقاضى عليها الواضع فوائد “ودائع”، والفرق بين ” القرض” و”الوديعة” ظاهر لا يخفى، حيث “الاشتراك العقدي” في البنوك التقليدية كاشف عن “حقيقة هذه العلاقة” وطبيعتها، ولو نطقت البنوك التقليدية القائمة على عماد الربا وأساسه التعاقدي لسخرت من هذا التوصيف وضحكت من قائله، أقصد توصيف الوضع المالي بالوديعة…
[زيادة بيان]
براءة مودع المال في البنك من قصد المراباة لا يُحِلٍُ له تملكَ ما يُعطى له زائدا على وديعته بحسبانه “ربا صريحا” في واقع الأمر، وتعليل الجواز بعدم القصد وانتفاء إرادة العقد عليه من قبل المودع غير سديد، إنما يرفع عنه “انتفاءُ القصد” تبعةَ التأثيم بشرط عدم الانتفاع بالزائد الربوي، إذا اضطر أو احتاج إلى وضع ماله في “البنوك الربوية”، كما هو الحال العام في بلاء هذا العصر، حيث غياب المؤسسات المالية الإسلامية الخالصة، أما اعتبار تلك الزيادة من العطاء الابتدائي من قبل البنك ولا دخل للمودع فيه -كما يتوهم البعض- فهو اعتبار مغلوط يخالف العلاقة العقدية الضمنية بين المودع/المقرض والبنك، وفي سياق هذا البيان الاستدراكي لا بد من التنبيه إلى نوعي الودائع المصرفية: ودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) حيث لا فوائد، والودائع الأجلية حيث ترتيب الفوائد…



