السَّلام عليكَ يا صاحبي

هوية بريس – أدهم شرقاوي
السَّلام عليكَ يا صاحبي،
تسألني: هل الأخذ بالسبب يُنافي التوكل على الله؟
ولأول مرّةٍ أعجبُ من سؤال تسألنيه!
كنتُ أحسبُ أن الأمر بَدَهي، وأنه قد استقام لكَ فهمه،
فقد سبقَ وعرَّجتُ في كلامي على شيءٍ من هذا وإن تلميحاً،
ولكن لا بأس أن أسوق الأمر إليكَ الآن تفصيلاً!
يا صاحبي،
مرَّ عمر بن الخطاب برجلٍ قد أُصيب بعيره بالجرب،
فإذا هو رافع يديه يدعو الله تعالى أن يشفيه له،
فقال له: لو أيَّدتَ دعاءَكَ بشيءٍ من القطران!
يعلمُ عمر يقيناً أن الله سبحانه قادر على أن يشفي بغير دواء!
ولكنه يعلمُ أيضاً أن هذه الدنيا دار أسباب،
والإنسان مطالب بالأخذ بالسبب ما استطاع،
ولكنه لا يضعُ يقينه على الأسباب وإنما على رب الأسباب!
الطبيب لا يشفي دون إذن الله،
ولكن هذا لا يعني أن نتوقف عن التداوي،
بالمقابل لا نعتقد أن الدواء شافٍ من تلقاء نفسه،
وإنما بأمر الله.
هكذا هو الأمر،
موازنة بين الأخذ بالسبب،
وبين التوكل على الله!
يا صاحبي،
لو تأملتَ في هجرة النبيِّ ﷺ من مكة إلى المدينة،
لفهمتَ الأمر كله!
فالسيرة ليست مادة تاريخية تُروى بقدر ما هي مناهج حياة!
خرجَ النبيُّ ﷺ رفقة أبي بكر خفية وهذا أخذ بالسبب،
واصطحب معه دليلاً يدله على الطريق،
هو نبيُّ ويعرفُ أنه محفوف بعناية الله،
وأنه أكرم على ربه من أن يتركه يضيع في الصحراء،
ولكنه أخذ بالسبب لأنه يعرف أن الدنيا دار أسباب!
وليعلمنا أنها لا تنافي التوكل على الله،
وإنما هي واقعة في قدر الله!
وهو يعرف أنه لن يموت جوعاً في طريق هجرته،
ولكنه أخذ معه زاداً!
وهو يعلمُ أن الله سيعمي عنه عيون المشركين،
ولكنه كان يأمر عبد الرحمن بن أبي بكر بأن يمحو بأغنامه أثر الخطوات إلى الغار!
ويوم أُحدٍ لبس درعين لا درعاً واحدةً،
هو يعلمُ يقيناً أن الدروع لا تمنع من الموت،
ولكن المؤمن كيِّسٌ فَطِنٌ!
يا صاحبي،
حتى المعجزات التي هي بالأساس خارقة للعادة،
وتجري على عكس ما تجري به السُنن الإلهية،
كان لها سببٌ ظاهر!
ألم ترَ أن الله قال لمريم ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾
وقد كان قادراً أن يُسقط عليها الرطب بلا هزّ،
فضلاً أن مريم لم تكن تستطيع هزها أصلاً،
ولكنه طلبَ منها شيئاً من السعي!
يا صاحبي،
عندما خرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل وتبعهم فرعون بجنوده،
ووصل الفريقان إلى شاطئ البحر،
قال الله تعالى لموسى عليه السلام ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ﴾
العِصيُّ لا تشقُّ البحار يا صاحبي،
وليست سبباً مبذولاً في هذا الموضوع،
وما انشقَّ البحر بضربة موسى عليه السلام،
والله تعالى لا يريدُ من العبد بذل أكثر من السبب الذي يستطيعه!
يا صاحبي،
عندما يئس نوح عليه السلام من قومه،
وعلم يقيناً أنه لن يؤمن معه غير الذين آمنوا،
رفع يديه ودعا عليهم،
فجاءه الأمر الإلهي ﴿أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾!
الربُّ القادر الذي أنجى عبده والمؤمنين معه بالسفينة،
كان قادراً أن ينجيهم بدونها،
ولكنه أراد منهم السَّعي،
فالسبب ليس اختباراً لقوة الرب،
فهو سبحانه ربُّ الأسباب،
ولكنها اختبار لقوة فهم العبد لسنة الله في الكون!
يا صاحبي،
عندما طال مرض أيوب عليه السّلام،
وشاء الله أن يتمنن عليه بالشفاء،
قال له﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾
يستطيعُ الله أن يشفيه بلا سعي ولا دواء ولا شراب،
ولكن بذل السبب مطلوب،
فإن كان كل هؤلاء لم يزهدوا بالأسباب،
فلا تنتظِرْ أنتَ نجاحاً بلا سببٍ ولا سعي!
والسلام لقلبكَ


