‏السَّلام عليكَ يا صاحبي

16 نوفمبر 2025 03:02

هوية بريس – أدهم شرقاوي

‏السَّلام عليكَ يا صاحبي،
‏تسألني: هل الأخذ بالسبب يُنافي التوكل على الله؟
‏ولأول مرّةٍ أعجبُ من سؤال تسألنيه!

‏كنتُ أحسبُ أن الأمر بَدَهي، وأنه قد استقام لكَ فهمه،
‏فقد سبقَ وعرَّجتُ في كلامي على شيءٍ من هذا وإن تلميحاً،
‏ولكن لا بأس أن أسوق الأمر إليكَ الآن تفصيلاً!

‏يا صاحبي،
‏مرَّ عمر بن الخطاب برجلٍ قد أُصيب بعيره بالجرب،
‏فإذا هو رافع يديه يدعو الله تعالى أن يشفيه له،
‏فقال له: لو أيَّدتَ دعاءَكَ بشيءٍ من القطران!

‏يعلمُ عمر يقيناً أن الله سبحانه قادر على أن يشفي بغير دواء!
‏ولكنه يعلمُ أيضاً أن هذه الدنيا دار أسباب،
‏والإنسان مطالب بالأخذ بالسبب ما استطاع،
‏ولكنه لا يضعُ يقينه على الأسباب وإنما على رب الأسباب!

‏الطبيب لا يشفي دون إذن الله،
‏ولكن هذا لا يعني أن نتوقف عن التداوي،
‏بالمقابل لا نعتقد أن الدواء شافٍ من تلقاء نفسه،
‏وإنما بأمر الله.
‏هكذا هو الأمر،
‏موازنة بين الأخذ بالسبب،
‏وبين التوكل على الله!

‏يا صاحبي،
‏لو تأملتَ في هجرة النبيِّ ﷺ من مكة إلى المدينة،
‏لفهمتَ الأمر كله!
‏فالسيرة ليست مادة تاريخية تُروى بقدر ما هي مناهج حياة!

‏خرجَ النبيُّ ﷺ رفقة أبي بكر خفية وهذا أخذ بالسبب،
‏واصطحب معه دليلاً يدله على الطريق،
‏هو نبيُّ ويعرفُ أنه محفوف بعناية الله،
‏وأنه أكرم على ربه من أن يتركه يضيع في الصحراء،
‏ولكنه أخذ بالسبب لأنه يعرف أن الدنيا دار أسباب!
‏وليعلمنا أنها لا تنافي التوكل على الله،
‏وإنما هي واقعة في قدر الله!

‏وهو يعرف أنه لن يموت جوعاً في طريق هجرته،
‏ولكنه أخذ معه زاداً!
‏وهو يعلمُ أن الله سيعمي عنه عيون المشركين،
‏ولكنه كان يأمر عبد الرحمن بن أبي بكر بأن يمحو بأغنامه أثر الخطوات إلى الغار!

‏ويوم أُحدٍ لبس درعين لا درعاً واحدةً،
‏هو يعلمُ يقيناً أن الدروع لا تمنع من الموت،
‏ولكن المؤمن كيِّسٌ فَطِنٌ!

‏يا صاحبي،
‏حتى المعجزات التي هي بالأساس خارقة للعادة،
‏وتجري على عكس ما تجري به السُنن الإلهية،
‏كان لها سببٌ ظاهر!

‏ألم ترَ أن الله قال لمريم ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾
‏وقد كان قادراً أن يُسقط عليها الرطب بلا هزّ،
‏فضلاً أن مريم لم تكن تستطيع هزها أصلاً،
‏ولكنه طلبَ منها شيئاً من السعي!

‏يا صاحبي،
‏عندما خرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل وتبعهم فرعون بجنوده،
‏ووصل الفريقان إلى شاطئ البحر،
‏قال الله تعالى لموسى عليه السلام ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ﴾

‏العِصيُّ لا تشقُّ البحار يا صاحبي،
‏وليست سبباً مبذولاً في هذا الموضوع،
‏وما انشقَّ البحر بضربة موسى عليه السلام،
‏والله تعالى لا يريدُ من العبد بذل أكثر من السبب الذي يستطيعه!
‏يا صاحبي،
‏عندما يئس نوح عليه السلام من قومه،
‏وعلم يقيناً أنه لن يؤمن معه غير الذين آمنوا،
‏رفع يديه ودعا عليهم،
‏فجاءه الأمر الإلهي ﴿أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾!

‏الربُّ القادر الذي أنجى عبده والمؤمنين معه بالسفينة،
‏كان قادراً أن ينجيهم بدونها،
‏ولكنه أراد منهم السَّعي،
‏فالسبب ليس اختباراً لقوة الرب،
‏فهو سبحانه ربُّ الأسباب،
‏ولكنها اختبار لقوة فهم العبد لسنة الله في الكون!

‏يا صاحبي،
‏عندما طال مرض أيوب عليه السّلام،
‏وشاء الله أن يتمنن عليه بالشفاء،
‏قال له﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾

‏يستطيعُ الله أن يشفيه بلا سعي ولا دواء ولا شراب،
‏ولكن بذل السبب مطلوب،
‏فإن كان كل هؤلاء لم يزهدوا بالأسباب،
‏فلا تنتظِرْ أنتَ نجاحاً بلا سببٍ ولا سعي!

‏والسلام لقلبكَ

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
18°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة