المغرب بين الاستقلال والاستغلال

19 نوفمبر 2025 15:55
د. عوام ردا على الرميد: هل يقبل المغاربة من بينهم من يجعل بيته وكرا للدعارة والفساد بحجة الفضاء الخاص؟!

المغرب بين الاستقلال والاستغلال

هوية بريس – د.محمد عوام

مرت بنا ذكرى الاستقلال، التي اعتاد المغاربة أن يحتفلوا بها، ويخلدوا ذكراها، وحقيق بذوى الحجى وأولي النهى أن يسألوا عن جدية هذا الاستقلال وأثره على واقعنا المغربي، ونهضته وتقدمه وازدهاره، هل فعلا قد تحقق شيء من الاستقلال الحقيقي والفعال أم نحن لا نزال نركض وراء الاستعمار؟ بمعنى آخر هل قرارنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكافة قضايانا وشؤوننا مستقلة نحن من يديرها ويتحكم فيها وفق إرادتنا أم نحن من قوم تبع للأجنبي؟

هذه بعض ما يخالج الأنفس من سؤالات كثيرة، غير أن المتأمل في الواقع يرى أننا لم نستقل بعد، فتعليمنا متفرنس، لم نستطع أن نعربه بالكامل، فتكون العربية هي اللغة الوطنية التي ندرس بها أبناءنا كافة العلوم، كما هو الشأن في بعض الدول، مع الانفتاح على اللغات العالمية، بل قطعنا شوطا في التعريب ثم نسخنا ما سبق وأبطلناه، ورجعنا القهقرى. وبهذه السياسة التعليمية المفرنسة تراجع منسوب تعليمنا من حيث جودته وجديته، وتراجع معه تحصيل أبنائنا، فأصبحنا في ذيل الأمم. على أن العلماء والخبراء يؤكدون أن الأمة التي لا تقرأ بلغتها لا يمكن أن تحقق نهضتها، فتصبح بذلك مفصولة عن تاريخها وحضارتها.

ولله در مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، الذي أجاد البيان والوصف بقوله: “وما ذلت ‌لغة ‌شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار؛ ومن هذا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضًا على الأمة المستعمرة، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها؛ فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثة في عمل واحد: أما الأول فحبس لغتهم في لغته سجنًا مؤبدًا؛ وأما الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محوًا ونسيانًا؛ وأما الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها؛ فأمرهم من بعدها لأمره تبع”. (وحي القلم 3/33، 34)

وإذا تحدثنا عن التعليم فباعتباره مقوم من مقومات الوجود لأي أمة تنشد المكانة السامقة والعلية، وإلا فتحدث عن اقتصادنا المبني على التعامل بالربا المحرم شرعا، وإعلامنا، وقوانينا، ومظاهر حياتنا الاجتماعية، بل حتى نظافة شوارعنا وجمع أوساخنا وقماماتنا سلمناها للأجنبي، فأصبحنا عاجزين عن تدبير أمورنا بأنفسنا، فعن أي استقلال نتحدث؟

لا أرى الاستعمار إلا قد خرج من الباب، ودخل من النافذة، بل خرج من الباب ليزيل عن نفسه البذلة العسكرية، ويعيد كرة الدخول بزيه المدني الرشيق، وبلغته الرنانة ، Bonjour  ثم طفق مع أذنابه يهلك البلاد والعباد.

وهذا هو الاستغلال، لكن هذا الاستغلال لم يعد حكرا على الأجنبي، باستحواذه على خيرات البلاد ومقدراتها، عبر شركاته التي تحصل على امتيازات، وإنما أصبحت النخبة السياسية والمالية تستغل بنفوذها وتحكمها الموارد برا وبحرا وجوا، ولا أدل على ذلك من الصفقات المعبرة عن تضارب المصالح، فيعيش على إثر ذلك الشعب المسكين الفاقة والمسغبة. أما الاستغلال التوسعي الذي يحظى به طائفة من المسؤولين في كل القطاعات خارج القانون فحدث ولا حرج. ولا أريد أن أخوض في ذلك، فيكفينا ما نسمعه ونقرأه في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي عن محاكمات ووو.

فالمهم عندي أننا لا يمكن أن ننشد الإصلاح، ونبني المؤسسات، ونحقق نهضة فعالة وقوية للمغرب في ظل وجود استقلال هش لا أثر له، واستغلال فاحش متغول، ولا معنى للاحتفال بالاستقلال في ظل تغول الاستغلال. فالمغرب لا يمكنه أن يحقق نهضته، ويرتقي في سلم المدنية والعز والسؤدد إلا باستقلاله التام عن الأجنبي، ويكون قراره بيده، وبأصالته الإسلامية وبناء التفكير والتربية الأخلاقية. فمن غير استقلال تام سنبقى نعيش استغلالا نكدا، الذي يفضي لا محالة إلى الفتن، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وكما بطن.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
9°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة