البيضاويون ينجون من الموت عطشا!

البيضاويون ينجون من الموت عطشا!
هوية بريس – اسماعيل الحلوتي
في أحايين كثيرة يقف المواطن مشدوها ومندهشا أمام تصريحات بعض السياسيين الجدد المستفزة حول عديد القضايا التي تشغل بال عامة الناس، ولا يجد من وسيلة للرد على ترهاتهم ومزاعمهم الرعناء أفضل من الاستعانة بقاموس الأمثال الشعبية، لما تزخر به من حكم وأقوال بليغة، حيث أنها غالبا ما تكون شافية للغليل، صادقة ومقنعة دون أدنى تكلف أو تنميق في الكلام.
وفي هذا السياق، وتبعا لما ورد على لسان نبيلة الرميلي عمدة مدينة الدار البيضاء والقيادية في حزب “الأحرار” من مديح لرئيس الحكومة والحزب عزيز أخنوش، لا نرى من مثل ينطبق على تصريحها سوى مقولة “شكون يشكر العروسة؟”. إذ فضلا عما أشارت إلى ما تم إنجازه من مشاريع كبرى بالعاصمة الاقتصادية في عهد مجلسها، والمنجزات التي تعكس توجه رئيس الحكومة منذ بداية ولايته، وخاصة فيما يتعلق بالسياسات العمومية وأثرها الملموس على المواطن، قالت أمام الحاضرين في تظاهرة “مسار الإنجازات” يوم السبت 15 نونبر 2025 بإقليم مديونة: إن “دعم رئيس الحكومة لمشاريع حيوية، حال دون موت ساكنة الدار البيضاء من شدة العطش”، مؤكدة أن “البعض قد لا يشعر بذلك، لكنني أشدد على أنه لولا تدخل رئيس الحكومة في الصيف الماضي، لكنا فتحنا الصنابير ولم نجد فيها أي ماء”
فكيف لا يتسع خيالها لهذه المزاعم وخاصة ما يتعلق بإنقاذ البيضاويين من الموت عطشا، وهي التي تتلمذت عن الزعيم أخنوش؟ أليس هو من يصر على رسم لوحة وردية عن حكومته في خرجاته الإعلامية على قلتها؟ ونستحضر هنا ذلك “البرنامج الخاص” الذي بث على القناتين الأولى والثانية في وقت واحد يوم الأربعاء 10 شتنبر 2025 حين تحدث عن حصيلة الأربع سنوات المنصرمة، واصفا إياها بالإيجابية والملموسة، وهو يستعرض باعتزاز أرقام مبهرة عن تضاعف الموارد الجبائية وارتفاع مداخيل الدولة، تخفيف تداعيات التضخم العالمي والتباهي بخلق 600 ألف منصب شغل، والادعاء بأن المغاربة جد سعداء بمنجزات حكومته…
والحال أن المغاربة ليسوا كذلك أمام شعورهم بالإحباط وإصابتهم بخيبة أمل كبرى في حكومة راهنوا كثيرا على تلبية انتظاراتهم، من حيث النهوض بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وتحسين ظروف عيشهم، بيد أنهم سرعان ما فوجئوا بمسلسل ارتفاع أسعار المحروقات وانعكاسها على باقي أسعار المواد الغذائية، مما أدى إلى انهيار قدرتهم الشرائية وتفاقم معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي واستفحال معضلة الفساد، ناهيكم عن ارتفاع حجم المديونية العامة حيث كشف التقرير السنوي المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2026 أن مستوى الدين الخارجي بلغ 468,2 مليار درهم بنهاية سنة 2024، مقابل 439 مليار درهم بنهاية سنة 2023، مسجلا ارتفاعا قدره 29,2 مليار درهم ما يعادل 6,7 في المائة.
وليست نبيلة الرميلي وحدها من أثنت كثيرا على عزيز أخنوش وأداء حكومته، فقد سبقتها فاطمة خير عضو المكتب السياسي في ذات الحزب والنائبة البرلمانية، إلى كيل المدائح له خلال تجمع حزبي بمدينة الداخلة، وذلك بمناسبة انطلاق تظاهرة “مسار الإنجازات”، حيث أنها لم تدع الفرصة تمر دون إغراقه بالثناء، معربة عن فخرها الكبير بالانتماء لحزب “الأحرار” بقيادة شخصية من طينته، مؤكدة شجاعته وحكمته وقدرته الخارقة على اتخاذ القرارات السديدة بالسرعة الواجبة وفي الأوقات المناسبة، واصفة حزب “الحمامة” ب”العريق” من حيث مواقفه الثابتة وأعضاؤه المؤثرون، دون أن تنسى الإشارة إلى أن الحكومة تعمل بشكل منسجم ومتوازن تحت قيادته، فضلا عما اعتبرته إنجازات غير مسبوقة.
بيد أن ما غاب عن أذهان كل من نبيلة الرميلي وفاطمة خير ومعهما عزيز أخنوش رئيس الحكومة وجميع قيادات الحزب، هو أنه لو كان الأمر كما يزعمون حول الإنجازات الكبيرة، ما كان لشوارع مدننا أن تعرف ذلك الكم الهائل من الاحتجاجات والتنديد بسياسات الحكومة الفاشلة، ولا لتلك المجموعة من الشباب التي أطلقت على نفسها اسم “جيل Z”، أن تترك الفضاء الرقمي وتنقل هي الأخرى أنشطتها للساحات الكبرى ابتداء من 27 شتنبر 2025، مطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات بقطاعي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد وتوفير مناصب الشغل للعاطلين وخاصة ذوي الشهادات العليا
ثم إنه بصرف النظر عن هذا السيل الجارف من المدح المفرط لرئيس الحكومة من قبل أعضاء حزبه، وعن المغالطات حول منجزات حكومته، أو إنقاذه للبيضاويين الذين كانوا على وشك الموت عطشا، لو لم تدركهم عنايته الفائقة ويسخر كل قدراته لحل أزمة الماء بمدينتهم، فإن ما لا يجوز تجاوزه والقفز عليه، هو أن ملف ندرة المياه من بين أبرز الملفات والقطاعات الاستراتيجية التي يشرف عليها الملك محمد السادس شخصيا على مستوى المملكة بكاملها من طنجة إلى لكويرة، وليس فقط على مستوى مدينة واحدة.
إن من أنقذ البيضاويين بعد الله وغيرهم من المغاربة في المدن والقرى التي تعاني من ذات الوضع المائي الحرج والخطير، هو القائد الملهم الملك محمد السادس الذي منذ اعتلائه العرش وهو يوجه تعليماته عبر خطبه السامية بضرورة ابتكار الحلول الكفيلة بمواجهة أزمة الماء، سواء منها المياه الصالحة للشرب، أو المياه المخصصة للفلاحة، ويشدد على ترشيد استعمال الماء، كما لم ينفك يدعو إلى تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر، نقل المياه بين الأحواض المائية وتطوير صناعة وطنية في مجال تحلية المياه.



