د. محمد بولوز يكتب: مسيرة أم المهازل وفضيحة أزلام التحكم
هوية بريس – د. محمد بولوز
سألني شاب على صفحة الفايسبوك ماذا أعني بكلمة التحكم التي أستخدمها ويستخدمه غيري، فقلت له: التحكم والدولة العميقة والمخزن والتماسيح والعفاريت وروح الداخلية كلها كلمات متقاربة تعبر عن شبح مخيف وهوى للتسلط في النفوس دفين وجشع بلا حدود وغرام في الفساد والاستبداد، التحكم تحسه ولا تكاد تراه يظهر ويختفي، له ظاهر وباطن، ومسيرة البيضاء تعطيك بعض علاماته فمن خلال شهادات الناس شارك فيها أفراد من الاصالة والمعاصرة والأحرار والدستوريين والاتحاد المغربي للشغل ومقدمي وشيوخ الداخلية وجماعات محلية وبدعم لوجستي من الاتصالات والخطوط الملكية للطيران والشركة المغربية للنقل (ستيام) ونظمها الأمن والقوات المساعدة، ولكن، الرؤوس المدبرة مختفية فنسبت المسيرة لمجهولين.
وأضيف أيضا أن التحكم كما جاء في الحديث مثله كمثل الشيطان إذا ذكر العبد ربه خنس وإذا غفل وسوس، بمعنى إذا كان في الشعب وعي ويقظة انكمش التحكم واختفى وخنس وإذا ساد فيه الجهل وكثر فيه من يبيع نفسه رخيصا بعرض من الدنيا قليل استأسد وتجبر وربما خرج إلى العلن والظهور.
وقد ذكرتني حقيقة مسيرة التحكم بالدار البيضاء ببعض ما ورد في سورة براءة، حيث جاء في بعض أسمائها وأوصافها أنها الفاضحة؛ لأنها كشفت أسرار المنافقين، وسميت البحوث لأنها بحثت عن أسرار المنافقين، وسميت المبعثرة، والبعثرة هي البحث كذلك، لأنها بحثت عن أسرار المنافقين وفضائحهم، قال سعيد بن جبير: سألت بن عباس عن سورة براءة فقال: تلك الفاضحة، ما زال ينزل ومنهم ومنهم حتى خفنا ألا تدع أحدا (ومنهم من عاهد الله) (ومنهم الذين يؤذون النبي) (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) (ومنهم من يلمزك في الصدقات)، إلى آخره حتى خفنا ألا تدع أحدا.
فهذه المسيرة كشفت ومثيلاتها قبلها والعديد من التصرفات عن بعض أوجه وأوصاف التحكم البئيس الذي لا يحب الشورى الحقيقية الموسعة ولا الديموقراطية النبيلة التي تجعل القرار الحقيقي في يد الشعب، ولا يحب النزاهة ولا الشفافية لأنه يتصور أنها ضد وجوده ومصالحه ونهبه ما ليس له حق فيه، ولهذا يحارب هذه المعاني بكل ما أوتي من قوة وجهد، ومن تلك الحرب تزيين الواجهات وإطلاق الشعارات بما لا مصداقية حقيقية له في واقع الفعل والممارسة، ومحاولة تكييف وسائله القديمة والصدئة عسى أن يكون لها شيئا من روائح عصرها وزمانها، فإذا كانت الموضة هي صوت الشعب وهيئات المجتمع المدني والمهرجانات والمسيرات فلتكن على مقاسه وبلادته وغبائه.
كان شباط غفر الله له وعفا عنه جيش الحمير في مسيرته المشهودة، فقال له التحكم نحن أذكى منك، سنسلك سبيلا من التجهيل والتفقير وسلخ الآدمية على الأقل ممن نقدر من المواطنين حتى لا نحتاج معهم إلى حمير، يتوجهون إلى مسيرة لا يعرفون على الحقيقة مقاصدها، ويحملون لافتات لا يدرون ما كتب عليها، ويرفعون شعارات لا يفقهون مضامينها، ونضحك عليهم في العلف فلن يكلفونا أكثر من قيمة التبن، وإذا وجد في بعض البوادي وهوامش المدن من لا تزال عنده بقية فطنة، فدونك والتدليس والكذب والخداع واعط لكل فئة ما يستهويها وما تميل إليه، وقل لبعضهم مقصد المسيرة الاحتجاج على “زيرو ميكا” ولآخرين الاحتجاج على العنف والارهاب، ولغيرهم الاحتجاج مساندة لضحية الاغتصاب في السعودية، ولبعض شباب الحسيمة التنكر المكذوب من رئيس الحكومة للموقع الجغرافي لمدينتهم، ولآخرين بأن الملك أعطاهم مأذونيات وبنكيران نزعها منهم، وربما بعضهم تحرير الصحراء من عدو اسمه بنكيران، أو هكذا قال أحد شباب المسيرة أو أنه لم يستوعب الدرس والتعليم جيدا مثل من اختلط عنده التوحيد والاصلاح فأضحت عنده توحدا، أو أن المعلمين لم يتلقوا الطرق البيداغوجية الكافية لتوصيل رسائل التحكم.
فكانت الفضيحة والكاشفة والمعرية.. ومع ذلك يبقى لوزير الداخلية دم في وجهه وهو يقول للناس لم نرخص ولم نمنع وجهازه الممتد يمنع حتى مخيمات لعدد محدود من الأطفال هنا وهناك لدواعي أمنية ويوقف أنشطة إحسانية تسد بعض عورات التحكم بدواعي انتخابية ناهيك عن أنشطة تواصلية لوزراء وغيرهم، وكأن ما جرى لا يمس من قريب ولا بعيد أمنا ولا انتخابا، والمسيرة كلها سب وشتم واستفزاز وافتراء على طرف مهم في البلاد يقود الحكومة وعرفه الناس في المعارضة والتدبير ولهم فرصة مناسبة في المحطة الانتخابية ليرفعوه على رؤوسهم أو ينزلوه من على كتفهم. من غير حاجة الى هذه المسرحية الرديئة في كل فصولها والتي تستوجب عقابا وإقالة لمن كان سببا فيها في وقت ميت يضر حتى التحكم ولا ينفعه.
وأما عراب الحزب المدلل وكركوزة التحكم فخرج يتبرأ ويزعم أن لا صلة له بما جرى وأنه مسكين لم يتلق حتى الدعوة في المشاركة وبالأحرى أن يكون ضمن من خطط ونفذ وجمع حطب المعركة، وجميع الدلائل في المسيرة تفضحه بدءا بمن لهج لسانها بالثناء على من أهداها أضحية العيد وجاءت تؤدي بعض ثمن ذلك، وبمن صرحوا بأن حزب الجرار هو من عبأهم وجاء بهم، وذكرني تبرؤ رأس فتنتهم بما حكاه الله لنا في القرآن عن إبليس الذي سيتبرأ ممن غرهم وأغواهم في هذه الحياة الدنيا، قال تعالى في سورة الحشر: “كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ”، وإذا كان حقيقة ما قال بأنه لم يدع، فمشاركة أزلامه من كثير من مناطق المغرب تؤشر وتؤكد أنه يقود حزبا لا يعرف ما فيه وأن التحكم جمع له قوما من هنا وهناك لا تزال خيوطهم بأيدي من جمعهم له وأنه مجرد كركوزة تؤدي جزءا من مسرحية ثم تنسحب من الخشبة ليؤتى بكركوز آخر.
ثم هذا السخاء من قطاعات كالاتصالات والخطوط الملكية للطيران وغيرها ممن دعم هذه الفتنة بتوفير التنقل، ومن دعم بالبشر كالاتحاد المغربي للشغل وبعض الشركات، كل ذلك يعري بعض أذرع التحكم ممن يراد لهم أن يبقوا بعيدا عن المحاسبة والشفافية ويظلوا صندوقا أسودا للتحكم يشترى به من هو صالح للشراء ويمول تزييف إرادة الشعب والانقلابات الناعمة وحتى الخشنة إذا اقتضى الحال.
نتمنى أن تكون المسيرة الفاضحة والكاشفة والمعرية درسا بليغا ومفيدا للمختبئين وراء التحكم، حتى يكفوا عن هذه اللعب القديمة التي لا تناسب الجيل الجديد من المغاربة والذين أحييهم بعزوف كثير منهم من المشاركة في أم المهازل، وأحيي من ناضل بالتصوير والتسجيل وتعرية التحكم حتى أضحى بلا ستر ولا لباس، ولم يبق أمامه غير التوبة والجادة والصدق مع هذا الشعب الوفي الأمين وأن يكف من المكر والخداع والتزوير والكذب، فحبل الكذب قصير، وأصباغ الشعارات والواجهات سريعة الزوال، وكثير من الحكام تعاقبوا على هذا الشعب، وحفظ ذكرى من خدمه بحق، ونسي من خذله في مزبلة التاريخ، فالمستمر هو الشعب والعابرون هم الحكام، والمغاربة يتطلعون لثورة حقيقة من الملك والشعب على تحكم اليوم، كما ثار المخلصون بمعية محمد الخامس رحمه الله على تحكم الأمس.
أليس فيكم رجل رشيد لمادا تصف هؤلاء المساكين الجياع بالحمير فاتقوا الله جميعا ايه السياسيون ستقفون أمام ربكم ويسألكم .