الخطر ليس في الذكاء الاصطناعي بل يكمن بداخلنا

هوية بريس- متابعات
يعتقد معظم الناس أن خطر التكنولوجيا يكمن في ذكائها المفرط. ونخشى أن تتغلب علينا أو تحل محلنا أو تنقلب علينا. وبالنسبة لكثيرين منا، تبدو الأمور في غير صالحنا، ونشعر أن شيئًا ما قد تغير بالفعل بالنسبة لأطفالنا ولنا، ونشعر بالقلق لأننا لا نعرف ما هو.
لقد أعلن عدد من المؤسسات الرائدة مؤخرًا عن التزام بقيمة 500 مليون دولار لضمان “مشاركة الناس في مستقبل الذكاء الاصطناعي”. وحتى جوني إيف، مصمم آبل، أقر بأن “القول بأن لدينا علاقة غير مريحة مع تكنولوجيتنا هو أقل ما يمكن قوله”. ومع ازدياد قوة الذكاء الاصطناعي وحصوله على المزيد من الاهتمام، نشعر بالقلق من أن التكنولوجيا ستجعل هذا الشعور بعدم الراحة دائمًا.
لكن التكنولوجيا ليست المشكلة، بل المشكلة تكمن في الناس. فالتكنولوجيا أداة لبناء منزل أو إحراقه. وقد استُخدمت العجلة لنقل الطعام للجياع ولصنع عربات الحرب. ونشرت المطبعة التعليم والدعاية. وولّد الانشطار النووي كميات هائلة من الطاقة النظيفة، كما أطلق العنان لأسلحة وكوارث أهلكت الآلاف. وفي قلب كل تقدم تكنولوجي، هناك أناس يتخذون القرارات بشأن كيفية تطبيقه ومكانه.
إن ما هو جديد اليوم ليس قدرة التكنولوجيا على تغيير العالم، بل هو مزيج من مدى انتشار تلك التكنولوجيا والتركيز الشديد للقوة التي تقف وراءها. والابتكارات التي استغرقت عقودًا لتوسيع نطاقها، يمكنها الآن أن تُحدث تأثيرًا هائلًا في غضون أشهر. وقرار واحد يمكن أن يُحدث تأثيرًا عالميًا في لحظة. كما يمكن لقلة من القادة المتهورين ذوي الموارد الهائلة أن يُسببوا ضررًا لا يُصدق.
الخبر السار هو أن 87% من الناس يرغبون في تحمل المسؤولية الشخصية عن كيفية تشكيل التكنولوجيا لحياتهم، وفق استطلاع حديث أجرته مرسسة تيليسكوب-غالوب. ولأن التكنولوجيا تتطور بسرعة كبيرة، فإن خياراتهم يمكن أن يكون لها تأثير فوري. ولسنا مضطرين لانتظار القادة أنفسهم الذين أوقعونا في هذه الفوضى ليخرجونا منها؛ فنحن لدينا قوتنا الخاصة للتصرف، وعلينا استخدامها.
أولًا، نحتاج إلى العثور على مؤسسي الغد وتزويدهم بالمهارات اللازمة للقيادة بمسؤولية اليوم، قبل أن يصلوا إلى مناصب السلطة. فالتقدم الذي كان يتطلب 20 عامًا قد يستغرق الآن 20 شهرًا، لذا فهي مشكلة اليوم وليس الغد.
وكمثال واحد على ما يمكننا فعله، تتخيل مبادرة “المؤسسون الصاعدون” الناشئة منصة جديدة للمؤسسين الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا حول العالم؛ تهدف إلى العثور على المؤسسين ذوي الإمكانات الأعلى في كل مكان وربطهم بالعملاء ورأس المال والمرشدين، مع بناء التفاهم الاجتماعي والمرونة والتواصل قبل فوات الأوان. وسيُشكّل عمل هؤلاء المؤسسين ثقافتنا أسرع مما نعتقد. وعلينا ضمان قدرتهم على القيادة بمسؤولية.
ثانيًا، علينا التوقف عن محاربة حوافز النمو وتزويد القادة بأدوات للابتكار بمسؤولية. ومن المغري انتقاد رواد الأعمال لاستبدالهم العمال بالتكنولوجيا، ولكن في كثير من الأحيان، تكون الأتمتة هي السبيل الوحيد للبقاء. والمشكلة ليست في سوء نية أصحاب العمل، بل في الأسواق. فماذا لو أنشأنا سوقًا يكافئ إعادة تأهيل المهارات والتكيف العادل في عصر الذكاء الاصطناعي؟
وكما أنشأت أرصدة الكربون سوقًا للعمل المناخي، فباستخدام أدوات أساسية مثل التزامات السوق المسبقة أو منتجات التأمين، يمكننا تحفيز الاستثمارات في التدريب المسبق على الذكاء الاصطناعي وإعادة تدريب العمال الحاليين الذين فقدوا وظائفهم بسبب التكنولوجيا. ولسنا بحاجة إلى قوانين لهذه الأسواق؛ بل نحتاج إلى التزامات مالية من الشركات والحكومة والمؤسسات الخيرية وعامة الناس.
ثالثًا، علينا أن نضع المجتمع وقادتنا على قدم المساواة فيما يتعلق بمفهوم القيمة. ويمكن للإعلان الأخير عن Humanity AI أن يُسهم بشكل كبير في تعزيز هذا التوجه. فلماذا لا يطمح المؤسسون إلى الفوز بجوائز كبرى للابتكار المسؤول كما يفعل الناس للفوز بجوائز بوليتزر أو نوبل أو ماك آرثر؟ ولماذا لا نمنح المجتمع ملكية الاختراعات باستخدام نماذج ملكية الموظفين مثل نموذج “كومن تراست”؟ ولماذا لا ننشئ صندوقًا للمواهب السيادية؛ وهو برنامج يستثمر في الشركات التي تنمو بسرعة ونطاق واسع ويعيد استثمار العائدات مباشرةً في المواهب والبنية التحتية؟ ومهما كانت الآلية، فإن الهدف هو ترسيخ الابتكار المسؤول في نسيجنا الثقافي؛ لمواءمة الاحتياجات والتوقعات والحوافز للعمل.
وبدلاً من تقليص الاعتماد على التكنولوجيا، يمكن لهذه الحلول في الواقع تطبيق أدوات التكنولوجيا لتوجيه الابتكار نحو نتائج إيجابية. فالذكاء الاصطناعي يمكنه مساعدة المؤسسين الشباب على الوصول إلى أفضل الممارسات والتواصل مع المرشدين عالميًا ونمذجة آثار خياراتهم. كما يمكنه تسريع طلبات الاستثمار في سوق الذكاء الاصطناعي وتقديم البرامج وقياس النتائج. ويمكن أيضًا تطوير محتوى تعليمي مُخصص وتسليط الضوء على الابتكارات الأخلاقية وربط المجتمعات التي تُظهر سلوكًا مسؤولًا.
إن إلقاء اللوم على التكنولوجيا أمر سهل. ولكن كما قال رائد الذكاء الاصطناعي يان ليكون، حتى أذكى التقنيات لا تزال أغبى من القطة (مع احترامي للقطط). والسؤال هو: هل يمتلك الناس الحكمة الكافية لإدارة ما بنيناه؟ إذا كنا كذلك، يمكننا خلق عالم يتعامل فيه القادة الشباب مع السلطة بمهارة وأخلاق وحرص، عالم تُمكّن فيه التكنولوجيا المجتمعات ويُسهم فيه الابتكار في تحقيق الرخاء المشترك.
في النهاية المستقبل ليس مُدونًا في برمجيات أو محفورًا في السيليكون. إنه من صنع قراراتنا الخاصة. وكل قائد ندربه وكل حافز نعيد تنظيمه وكل توقع نشكله هو فرصة للنهوض بالمجتمع. وقد يكون أمامنا مشروع جيلي، لكن لا يزال هناك ما يمكننا فعله الآن. فالحل ليس الخوف من الآلات، بل تذكر ما تُقدمه لنا، وكذلك ما يفعله من يقف خلفها.
المصدر: ناشيونال إنترست



