“المعقول” مطلب المغاربة المؤجل!

“المعقول” مطلب المغاربة المؤجل!
هوية بريس – صالح أيت خزانة
لعل التجارب الحكومية التي توالت علينا، نحن المغاربة، جعلت الغالبية منا يقتنعون أن المطلب الأول الذي ينشده المغاربة في الحكام، وفي مسيري الشأن العمومي؛ هو “المعقول”. “المعقول” الذي يعني نظافة اليد، ودماثة الخلق، وتواضع التدبير والتسيير، ومشاركة المواطنين آلامهم وآمالهم. “المعقول” الذي افتقده المغاربة في الكثير من الحكومات التي توالت على تدبير الشأن العام، كما افتقدوه فيمن يشاركهم التدبير العمومي المحلي، ممن منحوه ثقتهم، وأعْلَوْهُ كرسي الإنابة عنهم.
فقد عانى المغاربة كثيرا مع إخلاف الوعود مع أقوام امتهنوا الكذب، والتملص من الالتزامات، فما عادوا يثقون في سياسي أو مسؤول ولو أقسم الأيْمان، وادَّعى أنه مختلف عمن سبقوه. فلا شيء أصبح يُطَمْئِن المواطن المغربي إلى مسؤوليه، سوى امتحان الممارسة اليومية لملفاته، والاستجابة الفورية لانتظاراته، والتورع عن سرقة ماله، ومُقدِّرات بلده. هذا فقط ما يعيد لهذا المواطن بصيص الثقة في منتخَبيه، ومسؤولي تدبير شؤونه. عدا ذلك، لا ينتظر مصالحة قريبة مع من ولاَّهم تدبير شؤونه. حتى إذا انخرط في لعبة السياسة والحكم، من خلال الانتخابات، فإنما يفعل ذلك لأغراض خاصة (الانتماء السياسي/الحزبي – مصلحة مادية – علاقات شخصية أو عائلية أو قبلية – ..)، مع إيمانه الجازم أن الوضع سيبقى على حاله، وأن السياسة ستظل تشكو أصحابها إلى ربهم، وأن “المعقول” سيبقى في حكم المؤجل.
لقد عرف الحكم في المغرب حالات سياسية/حزبية، مشرقة، بصمت ساحة تدبير الشأن العام بـ”المعقول”، من قبل شخصيات سياسية نزيهة، من جميع الأحزاب المغربية، ذات أيادي نظيفة، خرجت من باب الحكومة والبلديات، كما دخلت منه، بريئة من حقوق العباد، والبلاد. فلم يُسجَّل عنها، اختلاس، ولا إخلاف، ولا فساد، ولا استبداد،.. وهي حالات، للأسف، قليلة ونادرة، ووجودها استثناء. لم يكن لها عظيم تأثير على الصورة المظلمة التي بصمت التدبير العمومي لدى المغاربة. لكنها تبقى حالات مشرقة، يجعلها المغاربة مرجعا للرضى والمصالحة مع السياسة. ولا شك أن الأحزاب التي ستنجح في ترشيح هكذا نماذج، ستنجح في إعادة الثقة إلى المغاربة في السياسة، والحكم. وستعيد لحمة الحاكم والمحكوم أكثر قوة، وارتباطا.
وفي استطلاع عابر للحكومات التي توالت على المغاربة منذ الاستقلال، لم تَعدِم حكومة من هذه الحكومات شخصياتٍ، ورجالَ دولة نزهاء، ونظيفي اليد، لكن أعدادهم لم تكن لترفع عنهم حكم الاستثناء مع الجيش العرمرم من المدبرين الفاسدين الذين ضجت بهم الحكومات، والبلديات، والجماعات، والبرلمان، وكل المرافق العمومية، مما جعل القاعدة لدى المواطن المغربي، والتي ظلت تلازمه لسنوات، وشجعت عزوفه عن المشاركة والانخراط، هي :”لا أمل في التغيير، وليس في الإمكان خير مما كان” !!.
وحتى لا يُبْصَم عبورنا هذا بالسوداوية، لا بد أن نشير من باب الاعتراف الشخصي، والذي لا شك يشاركنا فيه العديد من المواطنين المغاربة غير المتحزبين، ولا المنتمين للهيئات والتنظيمات الأيديولوجية، وحتى الفكرانية، من المتابعين عن بعد، للشأن العام، أن المرحلة الوحيدة، أزعم !، في خلال المسار الحكمي للحكومات التي عرفها المغرب بعد الاستقلال، والتي اجتمع فيها زخم معتبر من الشخصيات السياسية النزيهة؛ هي المرحلة التي عرفت تدبير حزب العدالة والتنمية. فقد شهدنا، وشهد معنا مجموعة من المتابعين المنصفين، أنه، خلال هذه المرحلة، ولأول مرة، دُبِّر الشأن العام والعمومي المحلي، بالكثير من النزاهة، والمصداقية، والوضوح، ونظافة اليد، رغم صعوبة القرارات التي اتُّخِذت فيها، والتي آلمت العديد من المغاربة. ولقد ظللنا ننتقد هذه الحكومة طيلة عقد من الزمن، حتى اتُّهِمنا بممالأة الخصوم الجذريين لها. لكن انتقادنا لها، على مرارته أحيانا، كان يبغي إثارة الانتباه لما كنا نعتبره أخطاء قاتلة قد تأتي على التجربة من القواعد، في الوقت الذي كنا فيه حريصين على نجاحها واستمرارها، لأنها، بالنسبة لنا، كانت تجربة فريدة استطاعت أن تلبي، بالفعل، أمل المغاربة في “المعقول” الذي لم يعهدوا نظيره لعقود. ولعل التدبير الذي عقب هذه المرحلة، كان الجواب على كل الانتقادات التي وُجهت لحزب “البيجيدي” خلال ولايتيْه. حيث أصبح التحسر على مرحلته صبغة عامة لدى أغلب المواطنين المغاربة، الذين فوجئوا بتدبير مثَّل استمرارا لسابقِيه، لم يشعروا معه باختلاف، ولم يكسبوا معه ثقة تؤهل استمراره… !
دمتم على وطن.. !!



