خطبة “العقد الاجتماعي”.. د.بنكيران يتساءل: هل خطبة اليوم تلغو؟؟!

12 ديسمبر 2025 11:57

هوية بريس – د.رشيد بنكيران

من اطلع على الخطبة الجمعة الموحدة لهذا اليوم المبارك “الحرص التام على احترام اختيارات الأمة والقوانين المنظمة للحياة” يدرك منذ الوهلة الأولى أن المايسترو الذي يدير خطة تسديد التبليغ في المغرب لم يكتبها لعوام المغاربة، ولا حتى للمتعلمين منهم من أصحاب التعليم المتوسط. فالخطبة مشحونة بمصطلحات فلسفية وأصولية ودستورية لا يستعملها إلا المتخصصون، مثل:

العقد الاجتماعي، المقاصد، الضروريات الخمس، فلسفة القانون، التجارب الحضارية، المصالح المرسلة، الحفظ الكليات من جانب الوجود… والعدم …،

وهذه لغة لا عهد للناس بها في خطبة الجمعة ولن يفقهوها، ولا يمكن أن تكون موجهة لعموم رواد المساجد.

فالسؤال البديهي الذي يفرض نفسه:
لمن وجهت هذه الخطبة؟ ولأي غاية صيغت بهذه الطريقة؟

قبل الإجابة، لا بد من تقرير حقيقة واضحة، وهي أن الخطبة الجمعة جاءت لتقرر بصياغة ذكية مكرة أن القوانين الوضعية المغربية الجاري بها العمل اليوم هي من شرع الله، وأن الالتزام بها واجب تدينا، وأن مخالفتها مخالفة للدين ذاته.

وهنا يبدأ الإشكال الحقيقي!!!

فهل القانون الوضعي المتعلق مثلا بجريمة الزنا المعمول به في المحاكم المغربية هو من شرع الله!!؟

القانون الحالي يفرط في حق الله إذا تنازل أحد الزوجين لزوجه الذي وقع في الزنا . ناهيك عن العقوبة المقررة لمن أدين بذلك، فهي مخالفة لما جاء في الشريعة.

فهل هذا القانون هو شرع الله؟ وهل هذا يمكن تقديمه للناس على أنه دين؟! وهل من استنكره مخالف للدين!!؟

ثم هل رخص بيع الخمور مثلا، التي يمنحها القانون، وحماية الدولة لمحلات الخمور والملاهي الفاجرة، من شرع الله؟

هل يمكن أن تدرج هذه التشريعات ضمن ما تسميه الخطبة القوانين المعبرة عن روح مقاصد الشريعة وحفظ الضروريات الخمس!!؟؟

وأيضا، هل المعاملات البنيكية الربوية التي ترعاها القوانين وتمنحها الحماية وتنظمها بالتفصيل الدقيق هي من شرع الله؟

هل الربا (الفائدة على القرض) يصبح حلالا لأن القانون أباحه ووفر له الضمانات القانونية!!؟

وهل… وهل… أمثلة من كثير وكثير

أم أن الخطبة تريد إقناع الناس أن كل ما يصدر عن الدولة مهما كان مخالفا للقطعيات بدعوى المصلحة المرسلة المفترى عليها، وبدعوى طاعة ولاة الأمر في غير محلها الشرعي يمكن إدراجه في الدين بمجرد صياغته بخطاب وعظي من مؤسسة دينية رسمية وإلزام الخطباء بقوله وإن كان لا يقوم على أسس شرعية سليمة!!؟

إن من المكر بالناس، بل ومن التدليس عليهم، أن تُقدم القوانين التقنية المتعلقة بحوادث السير مثلا باعتبارها من شرع الله ، ليتم تمرير قاعدة خطيرة مفادها:

أن جميع القوانين الوضعية، دون تفريق أو تحقيق مناط، هي شرع واجب الطاعة تدينا.

فالخطبة تنتقي مثالا لا خلاف فيه في الجملة (قوانين السير أو قوانين البناء) لتفتح الباب أمام تعميم خطير يشمل كل القوانين الوضعية التي سنتها الدولة، بما فيها ما يخالف نصوص القرآن والسنة والإجماع.

وبالعودة إلى السؤال الأول:

لمن وُجهت الخطبة؟ وما الرسالة المراد إيصالها؟

يبدو واضحا لمن قرأ الخطبة قراءة موضوعية أن المؤسسة الدينية الرسمية توجه رسالة مفادها أنها ليست عقبة أمام مشروع علمنة الحياة العامة، وبلغة غير مباشرة، تقول:

نحن مستعدون لتكييف شرع الله مع القانون، وبالتالي، لا مانع من أن يتقدم القانون ليحل محل الشريعة في قيادة المجتمع ما دام منبر الجمعة نفسه وما يدور في فلكه سيقدمه للناس بصفته جزءا من الدين.

وهنا مكمن الخطورة؛ حين يُحمَّل المنبر الجمعة عبر الخطبة الموحدة وظيفة سياسية ناعمة تهدف إلى تهيئة الرأي العام لقبول نموذج قانوني يفضي إلى تحريف الدين باسم الدين، وإلى تخفيف حساسية المتدينين تجاه التشريعات المخالفة للشرع، عبر خطاب يربط القانون بالدين ربطا مزيفا.

وبناء عليه، فالخطبة الموحدة ليست مجرد موعظة بريئة، بل حلقة ضمن استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل مرجعية دينية جديدة للمغاربة، عبر تقديم القوانين الوضعية بصفتها جزءا من المرجعية الشرعية بإطلاق، أو على الأقل لا تتعارض معها بإطلاق، وهو ما يمهد لتمكين العلمانية من المجال العام وباسم الدين المفترى عليه.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
15°
19°
السبت
18°
أحد
18°
الإثنين
15°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة