مدير دار الحديث الحسنية بأبوظبي: “فقه الواقع” آلية مثلى لحماية الأسرة وتجديد دورها

16 ديسمبر 2025 18:01

هوية بريس – و م ع

قال مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية، عبد الحميد عشاق، أمس الاثنين بأبوظبي، إن “فقه الواقع” يشكل آلية مثلى لحماية الأسرة وتجديد دورها، عبر بناء وعي سياقي منضبط يستوعب التحولات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والرقمية.

وأبرز عشاق، خلال جلسة بعنوان “استيعاب فقه الواقع، مفاهيم ومنهجيات في منظومة الفتاوى الأسرية”، عقدت ضمن أعمال المؤتمر العالمي الثالث لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي (15-16 دجنبر الجاري)، أن دعم الأسرة يقتضي تنمية وتجديد الخطاب الشرعي الأسري، من خلال الجمع بين الثوابت الشرعية والوعي السياقي، وتقديم حلول ناضجة ومبتكرة تراعي المآلات، وتنهض بواجبات الوقت، دون إخلال بالأصول.

وأوضح، في مداخلة بعنوان “مفهوم فقه الواقع: تأمل جديد في مجال الأسرة”، أن الوعي السياقي يعد حجر الزاوية في معالجة القضايا الأسرية المعاصرة، إذ يمكّن الفقيه والمفتي وصانع القرار من الإحاطة بالواقع في عمقه وتفاصيله وتحولاته، وبناء الفتوى والإرشاد على قراءة موضوعية، لا على أفكار انطباعية وافتراضات موهومة.

وبعدما أشار إلى أن الأسرة المسلمة تواجه تحولات بنيوية معقدة تهدد تماسكها ووظائفها، أكد السيد عشاق “أنه لا يمكن تطبيق الأحكام الشرعية على الأسرة المعاصرة بمعزل عن تحليل السياقات المحيطة”؛ معتبرا أن تجاهل هذه الأبعاد يؤدي إلى تعميق الفجوة بين التشريع والواقع.

وتابع عشاق أن تراجع “الجماعة المتضامنة” وصعود “الفردانية” أنتج نماذج أسرية جديدة تفتقد للسند الاجتماعي التقليدي، مما يقتضي تجديد أدوات الوساطة والقضاء والإرشاد لتواكب المستجد، وتعيد بناء شبكات الدعم الأسري.

واعتبر أن البعد الروحي الأخلاقي هو قوام الرؤية الكلية لحل مشكلات الأسرة المعاصرة، لأنه يعيد الإنسان إلى دائرة المسؤولية والتعاون والبذل ومنظومة الإحسان والفضل، ويمنح العلاقات الأسرية عمقها الإنساني في مواجهة منطق الاستهلاك والتشييء.

وخلص إلى أن الأسرة تظل الحاضنة للرأسمال البشري والقيمي، وفيها تتخلق القدرات، وتُصقل القيم، وتُحمى الهوية، فهي العاصم من شتى عوامل التصدع والتفكك، وهي المجال الأمثل لاستعادة التوازن الاجتماعي والأخلاقي في خضم الأزمات والتحولات المعاصرة.

من جهته، تطرق يوسف حميتو، وهو أستاذ مغربي بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية – أبوظبي، في بحثه إلى منهجية التعامل مع متغيرات الواقع في بناء الأحكام الشرعية، من خلال دراسة تأصيلية في مسالك تحقيق المناط ورقابة المآل، متخذا من قضايا الأسرة نموذجا.

وأبرز حميتو أن هذا البحث ينطلق من إشكالية منهجية دقيقة تتعلق بكيفية إدارة العلاقة الجدلية بين النص الشرعي الثابت والواقع الإنساني المتغير، مبرزا أن هذه العلاقة شكلت عبر التاريخ جوهر الصناعة الفقهية وميدان اجتهادها الأوسع، إذ استقرت المدونة الأصولية على جملة من الأدوات الإجرائية، وعلى رأسها مسالك تحقيق المناط، لضمان سريان الحكم الشرعي على وقائع الحياة المتجددة.

وأكد الأكاديمي المغربي على ضرورة تقويم التنزيل بوصفه حلقة لا تنفك عن بناء الحكم في الواقع المركب، لافتا إلى أن “المؤشرات لها دينامية والبيانات قابلة للتغير”، ومن ثم لا بد من اختبار دقة المناط بقياس أثر الحكم في الواقع، ومراجعة الفتوى عند تغير المعطيات، ضمن مواثيق صارمة تحكم تشغيل الأداة: سيادة النص، والاعتماد على الحقائق العلمية المستقرة، والالتزام بالاجتهاد المؤسسي بوصفه الإطار القادر على استيعاب تعقيد الواقع وضمان سلامة التنزيل.

وأشار أن “الوفاء للشريعة في قضايا الأسرة المعاصرة لا يكون بحراسة صورة تاريخية للوسائل، ولا بالخضوع لضغط الواقع، وإنما بإحكام تحقيق المناط على مقتضى كلي الواقع وكلي الزمان، عبر مناط مركب ومؤشرات منضبطة وبروتوكول تشغيلي صارم، حتى لا ينزّل حكم صحيح في ذاته على واقع غير محرَّر في توصيفه”.

ويروم هذا المؤتمر العالمي، الذي ينظمه مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي تحت عنوان “الأسرة في سياق فقه الواقع: هوية وطنية ومجتمع متماسك”، صياغة مبادرات نوعية ومشاريع ريادية تصون الأسرة وتضمن استقرارها، بالإضافة إلى إبراز الجهود الرامية إلى تمكين المؤسسات الأسرية والإفتائية ووضع استراتيجيات تستوعب فقه الواقع للحفاظ على تماسك الأسرة وتلاحم المجتمع.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
16°
الخميس
16°
الجمعة
16°
السبت
16°
أحد

كاريكاتير

حديث الصورة