مقاربة قانونية ومنهجية في تفنيد دعوى «إغراق مهنة خطة العدالة»

17 ديسمبر 2025 16:12

هوية بريس – متابعة

مقال الامتناع عن تنفيذ المادة 9 من القانون رقم 16.03.. مقاربة قانونية ومنهجية في تفنيد دعوى «إغراق مهنة خطة العدالة»

أولًا: في تفنيد ذريعة «إغراق المهنة» على ضوء المؤشرات الرقمية والوقائع الموضوعية

إن الادعاء بوجود «إغراق» لمهنة خطة العدالة يفتقد إلى أي سند واقعي أو إحصائي جدي، بل يتعارض صراحة مع المعطيات الرقمية المتوفرة. فبالرجوع إلى تطور عدد العدول الممارسين خلال الخمسة والعشرين سنة الأخيرة، يتبين أن العدد عرف تراجعًا ملحوظًا، حيث انتقل من حوالي 3700 عدل مع بداية الألفية الثالثة إلى ما يقارب 3500 عدل سنة 2025، مع تسجيل فترات زمنية عرفت انخفاضًا أشد، ما يؤكد وجود منحى تنازلي مستمر لا يمكن تأويله إلا في اتجاه الخصاص لا الفائض. ويتعزز هذا الاستنتاج عند استحضار التحولات الديمغرافية والاجتماعية التي شهدتها المملكة، واتساع حجم المعاملات المدنية والعقارية، وتزايد الطلب على الوثائق العدلية المرتبطة بالأسرة والإرث والعقار، بما يجعل عدد العدول الحالي غير قادر موضوعيًا على الاستجابة للحاجيات المتنامية للمواطنين. وعليه، فإن لغة الأرقام تفيد بانخفاض يقارب 18% خلال العقدين الأخيرين، وهو ما يُجسد عجزًا مهنيًا بنيويًا داخل خطة العدالة، لا حالة تشبع أو إغراق.

ثانيًا: في المقارنة المهنية وفضح ازدواجية المعايير التنظيمية

إن حجة «الإغراق» تفقد ما تبقى لها من مشروعية عند مقارنتها بوضعية مهن قانونية وقضائية أخرى. فالموثقون والمفوضون القضائيون يعرفون تزايدا نسبيا في أعدادهم دون أن يُنظر إلى ذلك باعتباره تهديدًا لتوازن المهنة. بل إن عدد المحامين، الذي يناهز 15.000 محامٍ، لم يُشكل يومًا ذريعة لتعطيل ولوجهم أو تجميد النصوص المنظمة لهم، بل إن وزارة العدل نفسها بادرت إلى تنظيم مباريات إضافية لفائدتهم عقب احتجاجات المترشحين.

ويكشف هذا السلوك عن ازدواجية واضحة في المعايير المعتمدة، حيث يُستحضر منطق التنظيم والانفتاح عند بعض المهن، في حين يُستدعى منطق التخويف والتضييق عند مهنة خطة العدالة، دون أساس موضوعي أو قانوني، بما يشكل إخلالًا بمبدأ المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص.

ثالثًا: في الامتناع الإداري عن تنفيذ نص قانوني نافذ ومحدد

تنص المادة 9 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، بصيغة واضحة لا تحتمل التأويل أو التعليق، على ولوج فئة محددة وفق شروط مضبوطة، دون ربط نفاذها بأي نص تنظيمي لاحق أو قانون جديد. ومع ذلك، امتنعت وزارة العدل عن تنفيذ هذه المادة، رغم أن حملة شهادة الدكتوراه المعنيين قد تقدموا بطلباتهم مستوفية لكافة الشروط القانونية والمسطرية، دون أن تسجل الإدارة أي ملاحظة شكلية أو موضوعية بشأنها.

وقد أعقب إيداع هذه الطلبات صمت إداري مطبق دام في بعض الحالات ما يقارب ثلاث سنوات، وهو ما يشكل امتناعًا صريحًا عن اتخاذ قرار إداري واجب قانونًا، في خرق سافر لمبدأ المشروعية، ولمقتضيات الأمن القانوني، ولمفهوم الأجل المعقول للبت الإداري المستقر عليه قضاءً.

رابعًا: في الصمت الإداري وخرق واجب التعليل والحكامة الجيدة

إن استمرار الصمت الإداري، أو الاكتفاء بأجوبة شفوية عامة وغير معللة، يشكل إخلالًا خطيرًا بواجب التعليل المنصوص عليه في التشريع الإداري، وتراجعًا عن الالتزامات الدستورية للدولة في مجال الشفافية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. فالإدارة ملزمة قانونًا بالرد المكتوب والمعلل، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق قانونية مؤسسة بنص صريح.

ويزداد هذا الخرق جسامة عندما يُقابل السلوك الإداري السلبي بمحاولات جادة ومتكررة من طرف الدكاترة لسلوك المساطر الإدارية النظامية، دون أن يقابل ذلك إلا بالتجاهل أو التسويف، بما يفرغ مبدأ حسن سير المرافق العمومية من محتواه.

خامسًا: في عدم مشروعية ربط تنفيذ القانون بقانون لاحق وإقحام غير ذي صفة

إن ما صدر عن وزارة العدل من ربط تنفيذ المادة 9 بدخول قانون جديد ينظم مهنة العدول، يشكل خرقًا جسيمًا لمبدأ دستوري مستقر، مفاده أن النصوص القانونية النافذة واجبة التطبيق فور نشرها، ولا يجوز تعليق تنفيذها على نصوص لاحقة أو إرادات سياسية ظرفية.

كما أن إقحام فئة النساخ، ومنحهم عدد 400 موضع داخل المكاتب العدلية، لا يجد له أي أساس قانوني في المادة 9، التي لا تشملهم لا صراحة ولا ضمنًا، مما يشكل توسعًا غير مشروع في تفسير النص القانوني، وانحرافًا في استعمال السلطة لتحقيق غايات غير تلك التي خولها المشرع.

سادسًا : في قيام حالة الشطط في استعمال السلطة: وترتيب المسؤولية القانونية، إن مجموع هذه الوقائع، المتمثلة في الامتناع غير المبرر عن تنفيذ نص قانوني صريح، والصمت الإداري غير المشروع، وربط النفاذ القانوني بإرادة لاحقة، وإقحام أطراف غير معنية بالنص، تشكل في مجموعها أركان الشطط في استعمال السلطة كما استقر عليه الاجتهاد القضائي الإداري.

وإزاء ذلك، يكون الدكاترة أمام وضعية قانونية تبرر، بل توجب، الإدماج الفوري المستعجل، ذلك لترتيب الآثار القانونية اللازمة، حمايةً لحقوقهم المكتسبة، وصونًا لمبدأ المشروعية، وضمانًا لسيادة القانون، ومنعًا لتحويل السلطة التقديرية للإدارة إلى سلطة تحكمية تُعلّق الحقوق إلى أجل غير معلوم.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
16°
الخميس
16°
الجمعة
15°
السبت
16°
أحد

كاريكاتير

حديث الصورة