التوفيق يحاكم الإدريسي ويصمت عن مهاجمي الثوابت: أي منطق يحكم وزارة الأوقاف؟

19 ديسمبر 2025 08:39

التوفيق يحاكم الإدريسي ويصمت عن مهاجمي الثوابت: أي منطق يحكم وزارة الأوقاف؟

هوية بريس – عابد عبد المنعم

أعاد استدعاء الأستاذ إدريس الإدريسي، العضو السابق بالمجلس العلمي المحلي بخنيفرة، أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، على خلفية شكاية جديدة تقدم بها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، طرح أسئلة عميقة حول معايير تفعيل المتابعة، وحدود السلطة الدينية، وانتقائية الحزم في حماية الثوابت الدستورية والدينية للمملكة.

فالقضية، التي تأتي بعد إدانة قضائية حديثة في ملف تزوير اختبارات التأهيل داخل المجلس العلمي المحلي، لا تُقرأ فقط من زاوية مسارها القانوني، بل من خلال سياقها الرمزي والمؤسساتي. إذ يرى متابعون أن تحريك الدعوى ضد عضو سابق بالمجلس العلمي، معروف بمواقفه المنتقدة من داخل المنظومة، يعكس تحولا مقلقا في علاقة وزارة الأوقاف بالعلماء والخطباء، يقوم على منطق الزجر بدل الاحتواء، والتأديب بدل الحوار.

الإدريسي، الذي خضع لتحقيق دام ساعات طويلة، صرّح بأن الشكاية الجديدة مرتبطة بتدوينات عادية لا ترقى، حسب تقديره، إلى مستوى المتابعة أمام الفرقة الوطنية، معتبرا أن في الأمر نية للإرهاق ودفعه إلى الصمت. ورغم إشادته بسير التحقيق، إلا أن رسالته كانت واضحة: المتابعة تُفهم في سياق الرد على فضح اختلالات داخل المجلس العلمي، وليس في سياق حماية النظام العام أو الثوابت.

ما يثير الجدل أكثر، هو المقارنة التي باتت تتردد بقوة في الرأي العام؛ كيف تتحرك الوزارة بكل ثقلها ضد خطيب أو عالم ينتقد اختلالات داخلية أو يعبر عن موقف فقهي أو أخلاقي مزعج، في حين التزمت الصمت، طيلة سنوات وسنوات، تجاه أصوات معروفة هاجمت محكمات الدين، وطعنت في القرآن الكريم، وروّجت لفكرة “تعدد القرآنات”، وسبّت الإمام مالك، إمام المذهب الرسمي للدولة، أو شككت في صحيح الإمام البخاري الذي يختمه أمير المؤمنين بنفسه في ليلة السابع والعشرين من رمضان، أو حتى تجرأت على التشكيك في النسب الشريف لأمير المؤمنين؟

هذا الصمت، في مقابل الحزم الشديد مع العلماء والخطباء الذي انتقدوا اختلالا أو عبروا عن موقف لا يخرج عن المجال الشرعي وما يسمح به القانون، جعل عددا من المراقبين يتحدثون عن ازدواجية مقلقة في تدبير الحقل الديني، حزمٌ مع الداخل الملتزم، وتساهلٌ مع الخطابات المتطرفة حدّ المس بالمقدسات.

بل إن الوزير نفسه الذي سبق وأعلن من تحت قبة البرلمان “نحن علمانيون..من أراد أيَّ شيء يفعله” سبق أن وصف علماء فضلاء وخطباء نزهاء بعبارات قاسية وأوصاف لا تليق، من قبيل “الخوارج” و”المجرمين” و”المشوشين” و”أصحاب الفهامات الخاوية”، وهو خطاب اعتبره كثيرون غير مسبوق في تاريخ وزارة الأوقاف بالمغرب، ومنافيا لمنطق التأطير الهادئ الذي طبع المؤسسة لعقود.

قضية إدريس الإدريسي، بهذا المعنى، تجاوزت حدود شخص واحد، لتصبح قضية رأي عام، تتعلق بمستقبل استقلالية العلماء، وبحدود النقد المسموح به داخل المؤسسات الدينية، وبمدى احترام مبدأ المساواة أمام القانون. فحين يُتابَع عالم أو خطيب بسبب تدوينة أو موقف، بينما تُترك خطابات تهدد السلم العقدي دون مساءلة، فإن ذلك يبعث برسالة سلبية مفادها أن الخطر الحقيقي ليس في المسّ بالثوابت، بل في مساءلة التدبير.

ولا يمكن فصل هذه المتابعة عن السياق العام الذي يعرفه المجال الديني، حيث يشتكي عدد من الأئمة والخطباء من تضييق متزايد، وتخويف مبطن، وعقوبات إدارية سريعة، مقابل غياب نقاش علمي مفتوح حول القضايا الخلافية. وهو ما يطرح سؤالا مركزيا: هل وظيفة وزارة الأوقاف هي حماية الدين من التحريف، أم ضبط العلماء ومنع أي صوت نقدي من داخل المؤسسة؟

في انتظار ما ستقرره النيابة العامة، يبقى الثابت أن هذه القضية كشفت هشاشة الثقة بين جزء من العلماء والمؤسسة الوصية، وأعادت إلى الواجهة مطلبا أساسيا والمتمثل في العدالة في تطبيق القانون، والتوازن في الحزم، والتمييز الواضح بين النقد المسؤول، والاعتداء الحقيقي على الثوابت.

إن حماية الدين، كما استقر في التجربة المغربية، لم تكن يوما قائمة على التخويف ولا على الانتقائية، بل على الحكمة والإنصاف وفتح المجال للنقد من داخل المرجعية الجامعة. وأي اختلال في هذا الميزان، قد لا يضعف الأفراد فقط، بل يربك الثقة في المؤسسة نفسها، وهو بكل تأكيد ثمن أكبر من أي تدوينة أو موقف.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
15°
السبت
16°
أحد
17°
الإثنين
17°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة