حين يُوقَف الخطباء وتُستدعى المحاكم.. من سيقف في وجه التطرف الجديد؟

هوية بريس – كمال عصامي*
ينتابني شعور صادق بالقلق على بلدي، وأنا أتابع ما يقع داخل الحقل الديني من تطورات تثير أسئلة عميقة حول موقع العلماء والخطباء، وحدود النصح، ومآلات المقاربة المعتمدة في معالجة الخلافات ذات الطابع الديني.
في موضوع الأستاذ إدريس الإدريسي، خطيب خنيفرة، كنت قد وجهتُ له دعوة لحوار إعلامي هادئ ومسؤول، وهو من اعتذر لي مشكورًا بسبب البعد الجغرافي الذي حال دون لقائنا، مع تأكيده على انفتاحه على الحوار متى تيسّرت الظروف. وكان ذلك في نظري مؤشرًا على أن الحوار لم يكن يومًا مرفوضًا، بل مؤجلاً فقط.
إن ما يبعث على القلق ليس منطق المحاكمة في حد ذاته، فالقضاء يبقى سلطة مستقلة، وإنما المناخ العام الذي بدأ يتشكل، حيث يُستدعى منطق الزجر قبل استنفاد منطق الاستماع والتحقيق والتقويم داخل المؤسسات الدينية نفسها.
وهنا يطرح سؤال جوهري:
من سيقف في وجه التطرف العلماني والحداثي الذي يتغذى على فراغ الساحة من العلماء، وعلى إضعاف صوت الخطاب الديني المتوازن؟
فكما نحارب التطرف الديني، لا يجوز أن نغفل تطرفًا آخر لا يقل خطرًا، يسخر من الدين، ويهاجم الثوابت، ويستهين بالمرجعية الإسلامية للمغاربة.
يا معالي وزير الأوقاف،
أرجو -ومن موقعي كمواطن وإعلامي- أن تنزل بنفسك للتحقيق فيما تحدث عنه الأستاذ إدريس الإدريسي من شبهات تزوير وغش داخل المجلس العلمي بخنيفرة، لأن التحقيق الميداني والإنصات الجاد، أقوى وأجدى من منطق الشكايات والمتابعات، وأقرب إلى روح الحكمة التي قام عليها تدبير الشأن الديني بالمغرب.
يا معالي الوزير،
إن العلماء والخطباء والدعاة هم ملح هذا البلد، وإذا خلا البلد منهم، أو ضُيّق عليهم، ظهر من يسيء إلى هذا الدين، ويملأ الفراغ بخطابات متطرفة أو عدائية. ولا أظنك -وأنت كسائر المغاربة متدين- ترضى أن يُفرغ المنبر من روحه، أو أن يُختزل دور الخطيب في تلاوة نص بلا أثر.
أما ترى، يا معالي الوزير، كيف أصبحت خطب الجمعة موضوع نقد وسخرية من فئات واسعة؟
وهل يليق أن نختلف حول ما أجمع عليه المغاربة تاريخيًا من دور المنبر في التوجيه والتربية والتحصين القيمي؟
نعم، كلنا ضد استغلال المنبر لأهداف سياسية أو حزبية، وهذا أمر محسوم، لكن ذلك لا يعني تقزيم دور الخطيب، ولا تقييده إلى حد فقدان المعنى والوجود. فالمنبر ليس خطرًا حين يُؤطر، بل يصبح خطرًا حين يُفرغ.
يا معالي وزير الأوقاف،
ألا ترى كيف يتزايد عدد الملحدين؟
وكيف تتصاعد حملات محاربة الإسلام، وتشويه رموزه، والطعن في أحكامه، تحت عناوين براقة؟
نحن في بلد أمير المؤمنين، ببيعة شرعية جامعة، والشأن الديني فيه ليس ملفًا تقنيًا، بل ركيزة من ركائز الاستقرار الوطني.
آن الأوان، يا معالي الوزير، لمراجعة المقاربة، وفتح نقاش شجاع ومسؤول، يُعيد الثقة، ويُقوّي العلماء، ويحصّن المجتمع، بدل أن يُربك الحقل الديني ويتركه مكشوفًا أمام كل أشكال التطرف.
إن المغرب قوي بتدينه الوسطي، ومستقر بعلمائه، ومحصَّن بمرجعيته. وأي مساس بهذا التوازن الدقيق لا يخدم الوطن.
والله من وراء القصد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صحفي مدير جريدة إطلالة بريس الإلكترونية.



