بعض الكلام في مسعى “إخضاع العقل” للنظام العام

هوية بريس – د.ميمون نكاز
وصف عام ينضاف إلى التوصيف بالخوارج والمجرمين، هو التوصيف بالمجانين من طرفٍ خَفِي ، ذلك لأن العقل -في التعريف الإبداعي المحدث الجديد لصاحب شأننا الديني- هو “النظام العام”، حيث جاءت الإشارة السِّتِّيرَة والإلماحة المظنونة الناعمة المقصودة إلى أن “حفظ العقل” هو “حفظ النظام العام”، فالخارج عن “النظام العام” لا عقل له بحسبان هذا المأخذ من التأويل المزعوم، فهو بمقتضى هذا الانتفاء مجنون، إذ يلزم الإنسانَ -بموحب هذا التعريف الغريب العحيب- الخضوعُ للنظام العام حتى يُمنَحَ صفة “العاقل”، كان ذلك من خفي القول القاصد إلى “إخضاع العقل” للنظام العام باسم “حفظ العقل”… أليس ذلك هو عين توصيف أرباب الجاهلية للأنبياء والرسل بالمجانين، ولنبينا عليه الصلاة والسلام خصوصا، لأنه ناهض مفاسد النظام العام السائد وقاومه بالبلاغ والبيان والدعوة والاحتجاج والاحتساب؟!!!
من المعلوم ضرورة أن الخضوع للنظام العام من لوازم “البيعة الشرعية” إذا كان جاريا على وفاق مع الشرع في إلزاماته ومقتضياته، وإذ قد قيل إن “البيعة” مشتقة من البيع، فإني أقول محتفيا بهذه الاستعارة: لصحة البيع شروط، منها صلاحية السلعة للبيع، ومعلوميتها، والقدرة على تسليمها، وانعدام العيوب فيها، وانتفاء الغرر والجهالة في عينها وأوصافها، وضرورة الوفاء بأثمانها على “المليء بالبيعة”، فلا تصح “البيعة الشرعية” على محظور في الدين محرم في الشرع سواء كان “عينا مبيعة” أو “ثمنا لها مقبوضا أو مؤجلا موعودا”… مقصودنا من هذه الاستعارة أن الشرط الشرعي القطعي والمحكم في “مبيعات النظام العام ومشترياته” وجوبُ خضوعِها لنظام الشرع في “كلياته الحكمية الخمسة الإجماعية المعلومة”، إذ هي صاحبة الحق التصرفي في مضامين الكليات الخمس التي استقرت “الفطرة الإنسانية” على ضرورة حفظها ورعايتها وصيانتها من العوارض المخلة، والتي قد أصبحت -في سياق التوظيف الخداعي للمقاصد- “محبوبة الجماهير” الجاهلين بفقهها وأحكامها واشتغالها في منظومها الشرعي والمعرفي، أو الراغبين في تعبيث الدين والشرع بدعواها… فمن ضرورة “التسليم الشرعي” بحصائل العقد الاجتماعي، إذ هي مستنة عند صاحبنا -كما هي في موهوم نظره- بالقيم الكلية للشريعة، إلى لزوم “التزام العقل” بالنظام العام برهانا على حفظه، يَستكمِل التدليس والتلبيس مسيرته…



