بعد خطبة “أخذ العلم من أهله”.. مطالب مجتمعية بالكشف عن اسم من يكتب الخطب للمغاربة

بعد خطبة “أخذ العلم من أهله”.. مطالب مجتمعية بالكشف عن اسم من يكتب الخطب للمغاربة
هوية بريس – متابعات
أثارت خطبة الجمعة ليوم 28 جمادى الآخرة 1447هـ الموافق لـ19 دجنبر 2025م، بعنوان “الحرص على أخذ العلم من أهله”، موجة تفاعل واسعة في الأوساط المجتمعية والدعوية، لم يكن سببها مضمون الخطبة في ذاته بقدر ما كان السياق العام الذي تأتي فيه، في ظل تراكم جدل متواصل حول الخطب الموحدة، وحدود رسالتها الدينية، ومدى استقلالها عن التوجيه السياسي والإداري.
ففي الوقت الذي شددت فيه الخطبة على أن “السنة لا تؤخذ إلا من العلماء المتصفين بالعدالة والنزاهة والورع والصدق والضبط”، وعلى ضرورة التحري فيمن يُؤخذ عنه الدين والعلم، تساءل علماء وفاعلون حول من يكتب خطب الجمعة؟ ومن يحدد مضامينها؟
هذا السؤال لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق ضجة سابقة أثارتها خطب وُصفت بأنها خرجت عن وظيفتها الدعوية الصرفة، من قبيل خطبة “العقد الاجتماعي” و”احترام القانون”، والتي رأى فيها عدد من العلماء والمهتمين بالشأن الديني نزوعا واضحا نحو تسييس المنبر، وإقحام مفاهيم ذات حمولة سياسية وقانونية حديثة، دون تأصيل فقهي راسخ أو ربط منهجي بمقررات الشريعة الإسلامية والمذهب المالكي.
ويعتبر منتقدو هذا التوجه أن الخطبة، بوصفها خطابا تعبديا وتوجيها إيمانيا، يفترض أن تنطلق من النص الشرعي، ومقاصده المعتبرة، وأعراف التدين المغربي المستقرة، لا أن تتحول إلى أداة تمرير رسائل جاهزة، تُفرغ المنبر من روحه، وتضعف ثقة الناس فيه.
كما يلفت متابعون إلى مفارقة لافتة حملتها خطبة “الحرص على أخذ العلم من أهله”، إذ حمّلت المسؤولية للمسلم في التحري عمّن يأخذ عنه دينه، مستشهدة بآثار السلف، وبقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “الخلاف شر”، داعية إلى لزوم ما عليه الناس في البلد. غير أن هؤلاء يرون أن المسؤولية الأولى تقع أيضا على الجهة التي تحتكر إعداد الخطبة وتوحيدها، إذ من مقتضى الشفافية العلمية أن يُعرَف من يوجّه الخطاب الديني، وما مؤهلاته، وما مرجعيته، خاصة حين يُطلب من الناس التسليم والاتباع.
وفي هذا السياق، جدّد عدد من العلماء والدعاة مطالبهم بالكف عن منطق الوصاية الفكرية في الخطبة، واحترام التعدد الفقهي المنضبط داخل المذهب المالكي، وإعادة الاعتبار لدور العلماء الميدانيين، بدل اختزال الخطاب الديني في نصوص مركزية جامدة وجافة، قد لا تراعي اختلاف السياقات والوقائع.
ويرى هؤلاء أن حماية الأمن الروحي لا تكون بتجفيف النقاش أو توحيد الخطاب قسرا، بل بترسيخ الثقة والوضوح والصدق العلمي، واحترام وظيفة المنبر باعتباره مجالا للهداية والتزكية، لا للتوجيه الإداري أو السياسي.
وفي انتظار تفاعل رسمي يوضح للرأي العام آليات إعداد الخطب، وهوية القائمين عليها، ومعايير الاختيار والمراجعة، يظل السؤال مطروحا بإلحاح: كيف نوفق بين الدعوة إلى “أخذ العلم من أهله” وواقع خطب لا يُعرف أهلها؟ سؤال يعكس قلقا مشروعا، لا ينبغي التعامل معه بوصفه تشكيكا، بل باعتباره حرصا صادقا على الدين والمنبر ووحدة المرجعية الشرعية للأمة.



