غياب الأوقاف عن الموعد الدعوي.. كأس إفريقيا اختبار ضائع للتبليغ الديني بالمغرب

غياب الأوقاف عن الموعد الدعوي.. كأس إفريقيا اختبار ضائع للتبليغ الديني بالمغرب
هوية بريس – عابد عبد المنعم
بينما تستنفر مختلف القطاعات الحكومية بالمغرب إمكانياتها البشرية واللوجستيكية لإنجاح تظاهرة كأس إفريقيا للأمم، يبرز غياب لافت لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن هذا الورش الوطني الكبير، في لحظة كان يفترض أن تشكل فرصة استثنائية لاختبار الجاهزية الدعوية، وترجمة الخطاب الرسمي حول “تسديد التبليغ” إلى ممارسة ميدانية مؤثرة.
كأس إفريقيا ليست مجرد تظاهرة رياضية عابرة، بل حدث قاري ضخم يستقطب مئات الآلاف من الزوار من جنسيات وثقافات وديانات مختلفة، ويضع المغرب في قلب الاهتمام الإعلامي والإنساني. وهو ما يجعل البعد الديني والدعوي جزء من الصورة الشاملة للبلد، لا يقل أهمية عن التنظيم الأمني أو البنية التحتية أو التسويق السياحي.
من زاوية أولى، يفرض حضور أعداد كبيرة من المسلمين الوافدين أسئلة عملية واضحة:
أين المصليات داخل الملاعب ومحيطها؟
هل تم التنسيق مع وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم؟
هل هناك تأطير ديني يراعي اختلاف المذاهب واللغات؟
هل أُعدّ الأئمة والمرشدون للتواصل مع جماهير إفريقية متعددة المشارب، بعضها لا يتقن العربية ولا الفرنسية؟
هل تم تجهيز المساجد القريبة من الفنادق والمنتزهات السياحية؟
هذه الجوانب لا يمكن أن تُترك للاجتهاد الفردي أو الارتجال، بل تحتاج إلى تخطيط مسبق وتنسيق بين وزارة الأوقاف والقطاعات المنظمة للتظاهرة، بما يضمن أداء الشعائر في ظروف لائقة، ويعكس صورة الإسلام المغربي المتسم بالوسطية والانفتاح.
ومن زاوية ثانية، تشكل التظاهرة فرصة دعوية نادرة تجاه غير المسلمين. فالتاريخ المغربي، كما تؤكده التجربة المعاصرة، لم يكن يوما منغلقا عن العالم، بل راكم رصيدا مهما في التعريف بالإسلام من خلال القيم والسلوك والمؤسسات، سواء في أوروبا أو إفريقيا أو آسيا.
غير أن الدعوة اليوم لم تعد خطبة وعظية فقط، بل خطاب حضاري متكامل، يبدأ بحسن الاستقبال، ويمر بالإرشاد، وينتهي بتقديم نموذج راق عن الإسلام والمسلمين.
لقد تابع العالم، قبل سنوات قليلة، كيف نجحت دولة قطر خلال كأس العالم في تحويل الحدث الرياضي إلى منصة دعوية ناعمة، شاركت فيها الوزارة الوصية والمجتمع المدني، عبر مبادرات بسيطة لكنها ذكية، تضمنت مواد تعريفية عن الإسلام، ومتطوعون مؤهلون، وحضور لغوي وثقافي، ورسائل قيمية غير صدامية. والنتيجة كانت صورة مشرقة للإسلام، وصلت إلى ملايين المتابعين دون ضجيج أو استعراض.
في المقابل، يلاحظ أن وزارة الأوقاف بالمغرب، وفي سياق حديثها المتكرر عن “خطة تسديد التبليغ”، لم تبادر إلى إعلان أي تصور واضح يستهدف الوافدين على البلاد خلال كأس إفريقيا، لا من حيث التأطير، ولا من حيث الدعوة، ولا حتى من حيث الحضور الرمزي داخل الفضاءات الكبرى للحدث. وهو غياب يطرح تساؤلات مشروعة حول طبيعة هذه الخطة: هل هي موجهة فقط للداخل؟ أم محصورة في ضبط المنابر والخطباء؟ أم أنها فقدت بعدها الرسالي لصالح منطق إداري صرف؟
الأهم من ذلك أن كأس إفريقيا ليست سوى “بروفة” تنظيمية ومعنوية لتظاهرة أكبر وأثقل وزنا، هي كأس العالم. وإذا لم يُستثمر هذا الموعد القاري في بناء تجربة دعوية متكاملة، فإن المغرب قد يفوّت فرصة استراتيجية لتقديم نموذجه الديني في لحظة عالمية نادرة.
إن الدعوة إلى الله ليست عملا فرديا فحسب، بل مسؤولية مؤسساتية عندما يتعلق الأمر بحدث بهذا الحجم. والمطلوب اليوم ليس خطابات عامة، بل رؤية واضحة، وبرامج عملية، وانفتاح على المجتمع المدني والكفاءات اللغوية والدعوية، حتى يكون الحضور المغربي في كأس إفريقيا حضورا متكاملا على المستوى التنظيمي والأمني والثقافي والديني أيضا.
إن تظاهرات من حجم كأس إفريقيا لم تعد أحداثا رياضية خالصة، بل أضحت فضاءات مفتوحة لصراع قيمي عالمي، تُستغل فيها المنصات الكبرى لتمرير أنماط سلوكية دخيلة، وعلى رأسها التطبيع مع المثلية، ما يفرض على الدولة ومؤسساتها، وفي مقدمتها وزارة الأوقاف، الاضطلاع بدور واضح في حماية الأمن القيمي والأخلاقي والفطري للمجتمع.
وقد برهنت تجربة قطر خلال كأس العالم أن التمسك بالثوابت الدينية والأخلاقية لا يتعارض مع النجاح التنظيمي ولا مع الانفتاح على العالم، بل حظي بإشادة واسعة داخل أوروبا وأمريكا، وتفاعل إيجابي من لاعبين ومؤثرين عالميين، ما يؤكد أن النموذج الواضح الواثق من مرجعيته هو الأقدر على التأثير، وأن أي حضور مغربي في التظاهرات الدولية ينبغي أن يكون حضورا متكاملا يصون القيم بقدر ما ينجح في التنظيم.



