الكنبوري يحذر الشباب من معارك هامشية لا تغيّر الواقع

هوية بريس – متابعات
حذّر المفكر المغربي إدريس الكنبوري من الانسياق وراء خطاب يُقدَّم بوصفه «إصلاحًا دينيًا»، بينما ينشغل، في عمقه، بقضايا عقدية هامشية لا تمسّ جوهر الأزمات السياسية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية.
ويرى الكنبوري أن هذا النوع من الخطاب يُضلّل شريحة من الشباب، إذ «يظن بعض الشباب أن دعاة الإصلاح الديني ومنتقدي التراث الإسلامي يريدون الإصلاح وتحسين الأوضاع»، في حين أن الواقع — بحسبه — يكشف عكس ذلك.
انشغال بالهوامش وتجاهل للجذور
ويؤكد الكنبوري أن من يرفعون شعار «الإصلاح» يتجنّبون الخوض في الاستبداد السياسي وأسباب التخلف الحقيقية، مفضّلين الغرق في نقاشات عقدية من قبيل: «هل الجنة في السماء أم في الأرض، وعن جنس الملائكة، وعن الجن وهل هو خرافة أم لا، وعن عذاب القبر، وعن الإسراء والمعراج».
ويضيف أن المتابع لهذا الخطاب «يجدهم مشغولين فقط بهذه الأمور»، بما يحوّل النقاش العام إلى دائرة مغلقة بعيدة عن هموم المواطن اليومية.
مقاربات عبثية في النقد
وفي سياق تفكيكه لهذا المسلك، يستعمل الكنبوري تشبيهات لافتة، معتبرًا أن هذا النمط من النقد يشبه «الألماني الذي يبحث عن أخطاء الدولة في إنجيل متى، أو عن فشل التعليم في خطاب للبابا»، وهي مفارقة — يقول — لو حدثت في سياقها الطبيعي «لضحك عليه الألمان وأخذوه إلى طبيب نفسي».
غير أن المفارقة الأكبر، وفق الكاتب، أن هذا النوع من الخطاب يُمنح المنابر الإعلامية بدل أن يُناقش نقديًا بصرامة.
استدعاء التاريخ لتبرير الحاضر
وحين ينتقل هؤلاء، بحسب الكنبوري، إلى الحديث عن الاستبداد، فإنهم لا يفعلون ذلك من زاوية معاصرة، بل عبر استحضار صراعات تاريخية بعيدة، «فيحدثونك عن الوليد ومروان بن الحكم»، وهو ما يشبّهه بمحاولة «الفرنسي الذي يريد انتقاد حكومة ماكرون فيبدأ في الهجوم على الجنرال دوغول»، في إسقاط تاريخي لا يغيّر من واقع اليوم شيئًا.
نتائج بلا أثر
ويشدّد الكنبوري على أن هذا المسار النقدي لن يفضي إلى أي إصلاح ملموس، موضحًا أنه «حتى لو اتفقنا على أن الجن لا وجود له فلن ترتفع ميزانية التعليم ولن تتحسن مداخيل المواطن»، لأن جوهر الأزمة لا يُعالج عبر تفكيك المعتقدات، بل عبر تغيير شروط الكرامة والعدالة.
الكرامة جوهر المعركة
ويخلص الكاتب إلى أن هوس بعض «المصلحين» بالدين ليس بريئًا، بل هو — في نظره — «هوس مرضي بالدين نفسه»، لأنهم «يفضلون أن يمسح المسلم من عقله جميع المعتقدات على أن يجد الكرامة»، والسبب أن المواطن الكريم — كما يلمّح الكنبوري — سيكون أول من يفضح خواء هذه الخطابات ويُسقط أقنعتها.
يقدّم إدريس الكنبوري قراءة نقدية صارمة تضع الإصلاح الحقيقي في مكانه الصحيح: إصلاحٌ يبدأ من مقاومة الاستبداد، واستعادة الكرامة، وبناء العدالة، لا من تحويل الدين إلى ساحة سجال عقيم يُستعمل لصرف الأنظار عن جوهر الأزمة.



