تسديد التبليغ كما أراده العلماء لا الإداريون: عبد الله كنون وخطبة الجمعة المواكِبة للعصر

تسديد التبليغ كما أراده العلماء لا الإداريون: عبد الله كنون وخطبة الجمعة المواكِبة للعصر
هوية بريس – متابعات
من خلال تدوينة أعاد د.حميد العقرة النقاش حول واحدة من أكثر القضايا حساسية في تدبير الشأن الديني بالمغرب، والمرتبط بخطة تسديد التبليغ، مستحضرا مرجعية علمية رصينة من تراث العلامة عبد الله كنون، الأمين العام السابق لرابطة علماء المغرب، في لحظة تاريخية كانت فيها الكلمة للعلماء لا للإدارة ولا للبلاغات الجاهزة.
التدوينة، التي استندت إلى بحث علمي بعنوان «مواكبة خطبة الجمعة لتطورات العصر»، ألقي في الملتقى العالمي الأول لخطباء الجمعة بمدينة فاس سنة 1407هـ، أعادت الاعتبار لفهم أصيل لوظيفة الخطبة، بوصفها خطابا حيا، متفاعلا مع الواقع، ومتصديا لتحولات العصر ومشكلاته، لا مجرد نص مكرر أو وعظ معزول عن السياق الاجتماعي والسياسي والأخلاقي للناس.
العلامة الأديب عبد الله كنون، كما نقل الدكتور العقرة، لم يكن ينظر إلى خطبة الجمعة باعتبارها طقسا شكليا أو التزاما إداريا جامدا، بل باعتبارها أداة توجيه وبناء وقيادة وجدانية للأمة. ولذلك شدد على أن الخطبة يجب أن تواكب الأحداث، وأن تجعل من “متغيرات العصر موضوعا تعالجه بالحكمة والموعظة الحسنة”، مستحضرة ما وضعه الإسلام من حلول وأحكام للمشاكل الطارئة، لا هاربة منها أو صامتة عنها.
وفي هذا السياق، يكتسب استحضار هذا النص اليوم دلالة خاصة، في ظل الجدل المتواصل حول توحيد خطب الجمعة، وحدود حرية الخطيب، ومدى قدرة الخطاب الديني الرسمي على التفاعل مع التحولات الاجتماعية والقيمية والسياسية التي يعيشها المجتمع المغربي. فالراحل عبد كنون -رحمه الله-، وهو أحد أعمدة الفكر الديني والوطني بالمغرب، يضع معيارا واضحا وهو أن نجاح الخطبة يقاس بمدى ارتباط الجمهور بالخطيب، وتأثره بما يقول، واستعداده للعمل بما يسمع.
ويذهب كنون أبعد من ذلك حين ينتقد، بوضوح لا لبس فيه، نمطا من الخطباء الذين وصفهم بكونهم “منوّمين للمستمعين”، بسبب فقر الموضوع، وبرودة الإلقاء، وغياب الصلة بحياة الناس وهمومهم. وهو نقد شديد الدلالة، لأنه صادر عن عالم مغربي كان يدرك أن أخطر ما يهدد الخطاب الديني ليس الهجوم الخارجي فقط، بل التفريغ الداخلي للمضمون، وتحويل المنبر إلى فضاء بلا روح ولا أثر.
واستشهاد كنون بالحديث النبوي الذي يصف حال رسول الله ﷺ إذا خطب، حيث “احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه”، ليس استدعاء عاطفيا، بل تأكيد على أن الخطبة فعل تواصلي حيّ، يقتضي الصدق، والحضور الوجداني، والإحساس بالمسؤولية التاريخية تجاه المخاطَبين. فالخطبة التي لا تحرك الوجدان، ولا تلهب الشعور، ولا تدفع إلى العمل، تفقد جوهرها الشرعي والرسالي، مهما التزمت شكليا بالضوابط.
أهمية تدوينة الدكتور حميد العقرة لا تكمن فقط في استحضار خطبة أو توجيه قديم، بل في توقيت هذا الاستحضار، وفي الرسالة الضمنية التي تحملها، حيث إن النقاش حول الخطبة والخطيب ووظيفة المنبر، لا يمكن أن يُختزل في مقاربات إدارية أو تقنية، بل يجب أن يُعاد إلى مرجعيته العلمية والفكرية والأخلاقية، كما صاغها كبار علماء المغرب.



