الفقه المالكي في تاريخ الدولة المغربية..

الفقه المالكي في تاريخ الدولة المغربية.. (الجزء الأول)
هوية بريس – محمد زاوي
المغاربة، في الفقه، مالكيون. وليس ذلك منذ زمن المرابطين فحسب، بل منذ زمن الأدارسة قبلهم. فقد كان المغاربة في أول عهدهم بالإسلام على مذهب جمهور السلف، أصولا وفروعا، اعتقادا وتشريعا، كمذهب الإمام ابي حنيفة ومذهب الإمام الأوزاعي، وغيرهما، إلى أن استقروا على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أيام الأدارسة”. (محمد الروكي، المغرب مالكي.. لماذا؟ منشورات الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2003، ص 5)
ولم تدم فترة ضرب الحصار على المذهب المالكي، في عهد السلطان يعقوب المنصور الموحدي، أكثر من خمسين عاما. ومن شدة تعلق الفقهاء المغاربة بالمذهب المالكي، فقد حافظوا عليه ودافعوا عنه طيلة تلك الفترة. (نفسه، ص 9)
وبإمكاننا رصد تطور العلاقة بين الفقه المالكي والدولة المغربية كما يلي:
أولا؛ الدولة كأداة لنقل المذهب:
هذا ما فعله الأدارسة، وبالضبط المولى إدريس الثاني بتبنيه سياستين: سياسة الصلح مع الأغالبة، وسياسة استقطاب الموظفين من خارج المغرب (عبد اللطيف أكنوش، تاريخ المؤسسات والوقائع الاجتماعية بالمغرب، إفريقيا الشرق، ص 58). مهدت الأولى للثانية، ومهدتا معا للاستفادة من الفقه المالكي في القيروان. لولا الصلح مع الأغالبة، لما استفاد المغرب من موظفيهم، وهم موظفون ذوو تكوين فقهي مالكي؛ ولولا ذلك الصلح، لما كُتب للرحلات العلمية بين البلدين وجود، ولما اكتشف الفقهاء المغاربة أهمية الفقه المالكي أكثر من ذي قبل. بل إن الصلح بين الأدارسة والأغالبة أنتج لدى المغاربة نوعا من التأثر بفقهاء القيروان، ومنه على الأرجح كان تأثرهم بالفقيه المالكي ابن أبي زيد القيران، صاحب “الرسالة”. كُتِب هذا المتن في سياق التفكك والاضطراب في مغرب ما بعد الأدارسة، وربما كان بمثابة تمهيد لحركة المرابطين.
وما كان للمولى إدريس الثاني أن يقدم على سياسته هذه لولا ما وقع في نفسه من موطأ الإمام مالك، إذ “يروى أن سبب انتصار إدريس بن إدريس لمذهب مالك، واقتصاره عليه دون غيره، وأمره لولاته وقضاته باتباعه، هو رواية مالك في الموطأ عن جده عبد الله الكامل، وفتياه بخلع أبي جعفر المنصور العباسي، وبيعته لمحمد النفس الزكية، وعهده لأخيه إدريس الأكبر بالخلافة بعده، فكان مالك هو السبب في ولايتهم الملك”. (نجم الدين الهنتاتي، المذهب المالكي بالغرب الإسلامي إلى منتصف القرن الخامس الهجري-الحادي عشر الميلادي، منشورات تبر الزمان، 2004، ص 20)
(يتبع)



