العقوق التنظيمي استخفاف وجحود للنعمة

العقوق التنظيمي استخفاف وجحود للنعمة
هوية بريس – عبد الواحد رزاقي
النظام أساس كبير وركن ركين ومقوم من مقومات الوجود ومن ركائز الإتقان مصداقا لقول الله تعالى :”صنع الله الذي أتقن كل شيء”.1 “ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت”2 وكلما كان العمل منظما كان هناك النجاح وسادت الإيجابية وتيسرت الأمور وزاد الإنتاج وقلت التكاليف وتحسن الأداء العام للآخذ به ، والعكس صحيح كلما سادت الفوضى عم الاختلال وساد الفشل وتدهورت المردودية وكثر العبء على الواقعين فيه.
والتنظيم يتطلب التخطيط ووضع الأهداف وإعداد البرامج والمؤشرات وأدوات التنفيذ وتحصيل النتائج وتقويم الأعمال الإجرائية.
بناء على تجارب شخصية حية واستقراء مكونات المجتمع فإن العمل الجماعي المنظم يعود له الفضل العميم في بناء الشخصية وإعداد الذات بحيث يصير الفرد صالحا لنفسه ومصلحا لمجتمعه ، فاعلا إيجابيا محدثا للأثر الطيب في محيطه وبيئته. عكس الفرد المنعزل والمنكمش فهو سلبي بسبب سيادة الأفكار السلبية التي تطبع شخصيته وبذلك تجده منفعلا متأثرا بالتفاهات وصغائر الأمور.
جاء في الحديث: “الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسُ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ؛ أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ.” 3
وقوة المخالط مصدرها التفاعل مع المجتمع ومعايشة قضاياه ومحاولة التأثير فيه بشكل إيجابي في إطار سنة التدافع بين الخير والشر والصلاح والفساد.
هذه الخيرية لا تكتمل شروطها إلا في إطار جماعة يتعاون أفرادها على الخير والبر والتقوى. والقوة التي يجدها الفرد تأتي من إحساسه الأكيد أنه ليس وحده في الميدان وأنه مؤازر من فريق يسدد تحركاته ويصوب أفعاله في اتجاه السداد والرشاد في إطار عصمة الجماعة من الضلال (إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة) 4 حيث التشاور وتداول الرأي وتدقيق النظر واتخاذ القرار بشكل جماعي.
بالنظر لهذا الفضل الكبير من خلال الانتساب لهذا الجمع المبارك – وقد يكون المنتسب من قادته المؤسسين – فإن الموقف يتطلب الاعتراف بالجميل وحفظ العهود والوفاء للمشروع، أخذا بعين الاعتبار كون المؤسسة مدرسة تلقى فيها الكثير من الدورات التكوينية وامتاح من مجالسها التربوية جعلته على هدى من الله ينعم بالاستقامة ويأمل المزيد من بركاتها.
إن المستفيد من التنظيم يشعر يقينا أنه مدين له في كثير من النجاحات التي طبعت حياته سواء في بناء شخصيته أو في مساره المهني أو في ميدان العمل المدني وغيره.
مع العلم أن المنتمي ليس مريدا في زاوية أو ذبابة في شبكة التنظيم يتلقى التعليمات والأوامر دون اعتبار لحريته في التعبير والتفكير، بل عضو فاعل ومؤثر إسداء للنصيحة وقبولها على أساس أن العصمة لا تكون إلا لنبي، وأن الرأي حر والقرار ملزم.
باستحضار هذه الفضائل والمكرمات هل نتصور أن يحدث عقوق تجاه هذا التنظيم فيتم التنكر له ويقابل الإحسان بالإساءة ؟
في هذا الاتجاه ينقسم العاق إلى نوعين؟
النوع الأول : أن ينسحب المنتسب من التنظيم تعبا وإرهاقا وتبرما من المسؤولية، كما تخرج الشعرة من العجين دون شوشرة أو ضوضاء، فيكف لسانه ويمسك أذاه عن إخوانه الذين قضى معهم أحلى الذكريات: مجالس الإيمان والذكر والدعوة وأنس الأخوة في الله. فينفرد لهمومه الشخصية والأسرية مكتفيا بصلاح نفسه. وقد ينطبق عليه مقام القاصية من الغنم التي يكون مصيرها بطن الذئب، وقد قيل عن ذئب ابن آدم أنه الشيطان الرجيم.
النوع الثاني: أن ينسحب المنتسب من التنظيم لسبب من الأسباب وقد يكون انتصارا لحظ من حظوظ النفس متجل في سوء تفاهم مع بعض أعضاء التنظيم، أو شعورا بعدم الاهتمام أو عدم انتخابه مسؤولا في جمع من الجموع ، فينتهزها فرصة للمغادرة والانزواء بنفسه التي تضخمت في عينه فيثير حملة من السخط تجاه التنظيم ومشعلا حربا من التشهير ضد رفاق الدرب الذين شارك معهم الحلو والمر وعاش معهم السراء والضراء.
وقد يكون الانسحاب استجابة لطلب بعض الجهات الرسمية الساهرة على الشأن الديني التي وعدته بمنصب من المناصب كعضوية مجلس علمي أو رئاسته. فيحصل له المطلوب ويقطع صلته بالتنظيم رأسا، وينسى أن المكانة التي وصل إليها بفضل عائدات التنظيم عليه واستفادته منه تكوينا وتدريبا واكتسابا لمهارات لم يكن ليحلم بها لولا انخراطه في التنظيم. وقد يسأل عن علاقته بالتنظيم بعد ذلك فيطمئن مخاطبه بأنه لم تعد له صلة به. بل ربما التقى مع بعض المسؤولين في التنظيم أثناء فعاليات دعوية إشعاعية فيسلم سلاما باردا وكأنه لا يعرفهم من قبل.
إن العقوق التنظيمي في نظري مثله مثل عقوق الوالدين أو قطع لصلة الرحم لأنه نسيان للفضل ونكران للجميل فكما تحضن الأم أبناءها وترعاهم وتتمنى لهم الخير والسعادة في الدارين فكذلك يفعل التنظيم خاصة إذا كان تنظيما صالحا مصلحا في إطار الإسلام هو الهدى، يبغي الخير لمجتمعه وأمته.
هناك نماذج وقدوات في البر التنظيمي أو الارتباط التنظيمي منهم من قضى ولايتين على رأس التنظيم أو تدرج في هياكله شاغلا مختلف المسؤوليات فبقي جنديا يفيد الجميع بتجربته الثرية وأبرزهم مسؤول سابق ترأس تنظيما دعويا ثم ترأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وهو الشيخ الدكتور أحمد الريسوني الذي صرح مؤخرا لإحدى المواقع الإعلامية بأنه مع الحركة من المهد إلى اللحد. 5
الهوامش:
1- سورة النمل الآية 88
2- سورة الملك الآية 3
3- رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
4- حسنه الألباني.
5- المقصود حركة التوحيد والإصلاح.



