الإلحاد والكسل المريح

27 ديسمبر 2025 01:24

هوية بريس – د.سامي عامري

شاهدتُ المناظرة التي جرت البارحة بين أحد الدعاة في الهند وشخصية هندية ملحدة معروفة (اعتمدتُ الترجمة الآلية لأن المناظرة كانت باللغة الهندوستانية). وقد تجاوز عدد مشاهداتها ثلاثة ملايين مشاهدة في أقل من يوم واحد.

لا جديد في هذه المناظرة سوى تأكيد استمتاع الملحد بحالة من الغيبوبة الفكرية، تتجلّى في أنماط مألوفة من الخلل المنهجي، من ذلك:

تناقضات متكرّرة: الزعم بأن الأخلاق صناعة بشرية محضة، ثم اتهام الأديان بظلم المرأة في غياب أي مرجعية أخلاقية موضوعية يُحتكم إليها.

معارضة اعتباطية: القول بتسلسل الأسباب بلا بدء، من غير ردّ على لاعقلانية هذا التصور، ولا فهم لحقيقة الدليل الكوسمولوجي.

اعتراضات هزلية: مثل الادعاء بأن الكتب المقدسة لم تذكر الديناصورات، وبالتالي فهي باطلة.

عمى أخلاقي: تصوير الغرب الملحد بوصفه نموذجًا جماليًا لأن أخلاقيته “نابعة من الإلحاد” حيث ينال كل فرد حقوقه، مع تجاهل أنّ هذا الغرب نفسه هو من يفتك بالشرق المتديّن، وأنّ لإنسانيته انتقائية، إن سُلّم أصلًا بكونها إنسانية.

استقراء سطحي: اعتبار الغرب ملحدًا على إطلاقه، مع إغفال الحضور الديني القائم، والإرث الديني العميق الذي ما زال مؤثرًا في ثقافته وقيمه.
تزييف للتعريفات: اختزال الإيمان في كونه تصديقًا بلا حجة مع تجاهل تام لما يُعرف باللاهوت الطبيعي Natural theology بالاستدلال بالعالم لإثبات ما وراءه.

استحضار تعريفات مغلوطة: مثل القول إن كل إيمان بإله يستلزم الإلحاد بسائر الآلهة، ومن ثم فالجميع “ملحدون”، رغم أن الإلحاد في معناه الدقيق هو إنكار وجود أي إله أصلًا.

إثارة مشكلة الشر دون إظهار أدنى اطّلاع على الأدبيات الطويلة والمختصرة التي ناقشت هذه المسألة فلسفيًا ولاهوتيًا عبر القرون.

ويبلغ الهزل قمّته بإثبات الملحد حجّة المسلم دون وعي بذلك؛ إذ استدلّ المسلم بوجود زهور مرتبة على صورة مخصوصة على شكل حروف كلمات على وجود غائية تتجاوز الصدفة، فاعترض الملحد بأنّ وجود هذه الزهور على هذه الصورة دليل على أنّ إنسانًا فعل ذلك.. والنقاش هنا ليس في تعريف الفاعل وإنّما في إثبات القصديّة المقابلة للعشوائية!

وقد أحسن المناظر المسلم الشيخ Shamail Nadwi في بيان تهافت المناظر الملحد في أكثر من باب، خاصة في إشارته إلى مخالفة الإسلام للمذهب العلموي لا العلم نفسه، وفي إفساد محاولة مخالفه إلزامه بما لا يلزمه، خاصة إلزامه بتبني تعريف ريتشارد داركنز للإيمان وتجاهل التعريف الاصطلاحي له بين المسلمين. ويبدو أن المناظر المسلم مطلع بصورة جيدة على الجدل الفلسفي الإيماني الإلحادي في الغرب ولذلك كان حاضر البديهة في ردوده.

الخلاصة:

الإلحاد الهندي بات منافسًا شرسًا للإلحاد العربي؛ جهل بحقيقة الإلحاد نفسه، وجهل بأدلة الإيمان، وتراكم للمغالطات المنطقية، مع تلاعب بالمصطلحات المركزية، يرافقه تصالح فاضح مع الجهل وازدراء لما يجهله الملحد..

وقد قيل:
أتانا أن سهلًا ذم جهلا … علومًا ليس يدريهن سهل
علومًا لو دراها ما قلاها … ولكن الرضا بالجهل سهل

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
16°
أحد
16°
الإثنين
15°
الثلاثاء
15°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة