الفتنة قدرٌ جارٍ في بني آدم لا ينجو منها أحد

27 ديسمبر 2025 01:44
إبراهيم سهيل

هوية بريس – إبراهيم سهيل

الفتنة قدرٌ جارٍ في بني آدم لا ينجو منها أحد ولا يُستثنى منها صالح ولا عالم ولا سابق وإنما يختلف الناس في مواضعها وفي مقدار الثبات عند ورودها. وأخطر ما في الفتنة أنها لا تأتي في صورة فجورٍ صريح ولا معصيةٍ مجرّدة بل تتسلل في ثوب اجتهاد وتأويل وحسن قصد فيغترّ العبد بنفسه ويأمن مكرها وهو لا يشعر.

ومن أعظم أبواب الفتنة الجهل بالنفس فمن لم يعرف ضعفها وخداعها صدّق تأويلها وزكّى قصده وظنّ أنه قائم لله وهو في الحقيقة قائم لحظٍّ خفيٍّ من حظوظها. ولهذا كان السلف أشد ما يكونون خوفًا من أنفسهم لا من غيرهم لأن النفس إذا لبست لباس الدين صعب على صاحبها كشفها.

وقد ضرب الله لنا مثلا باقيا لا يزول في غزوة أُحد حين قال جلّ وعلا: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾.

فلم يكن القوم أهل نفاق ولا ضعف إيمان ولكنها لحظة فتنة كشفت اختلاف المقاصد عند الامتحان. فالدين واحد والصف واحد والرسول واحد لكن القلوب عند الشدائد تُبتلى وتُغربل ويظهر ما كان مستورا. وهذه الآية ليست طعنا في الصحابة بل تحذير للأمة كلها أن لا تغترّ بسابق عمل ولا بحسن ظاهر.

ثم جاء درس سورة الأنفال ليكمل الصورة من زاوية أخرى فقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾.

فجعل التقوى وإصلاح القلوب مقدمة على قسمة الغنائم ليبين أن الخلل الحقيقي ليس في المال بل في النفوس وأن أعظم ما يُخشى عند الاختلاف أن يُلبّس التأويل على صاحبه فيظن أنه يطلب حقا وهو يوسّع فتنة.

فمن تأمل الآيتين علم أن الفتنة لا تبدأ بالكفر ولا بالمعصية وإنما تبدأ بلحظة تأويل لحظٍّ دنيوي أو تعصّب لرأي أو ثقة زائدة بالنفس. وأن النجاة ليست في كثرة العمل وحدها بل في صدق المراقبة وخوف العاقبة واتهام النفس عند كل مفترق طريق.

فلا يأمن العبد الفتنة مهما بلغ ولا يزكّي نفسه مهما استقام بل يلوذ بالله ويلزم الوحي ويعرف قدره وحدوده ويعلم أن السلامة فضل من الله لا ثمرة ذكاء ولا قوة. ومن عرف نفسه سلم ومن اغترّ بها هلك وإن لبس ثوب الصلاح.

 

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
16°
أحد
16°
الإثنين
15°
الثلاثاء
15°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة