“مناظرة الهند”.. حين يتحول العلم إلى حجة ضد بداهات العقل

هوية بريس – متابعات

أعاد المفكر والكاتب المغربي إدريس الكنبوري فتح النقاش حول علاقة الإلحاد بالعقل والعلم، على خلفية متابعته للمناظرة التي جمعت بين الشيخ الهندي شمائل محمد والملحد الهندي جاويد أختر، وهي مناظرة أثارت تفاعلًا واسعًا داخل الهند وخارجها، لما تطرحه من إشكالات فكرية تمس جوهر الدين ووظيفة العقل.

استدلالات تفتقر إلى العمق

ويؤكد الكنبوري أنه تابع المناظرة من زاوية تحليل استدلالات الطرف الإلحادي، لا بدافع الإعجاب بها، بل لفهم منطلقاتها الذهنية، خاصة أن الخطاب الإلحادي يقدّم نفسه دائمًا بوصفه حارسًا للعقل وممثلًا للعلم.

غير أن ما خلص إليه هو أن هذه الاستدلالات تفتقر إلى العمق، وتعتمد نمطًا مكررًا لا يختلف باختلاف البيئات والثقافات.

سوء فهم لطبيعة الوحي

ومن أبرز النقاط التي توقف عندها الكاتب، احتجاج الملحد الهندي بعدم ذكر الديناصورات في الكتب السماوية، معتبرًا أن هذا الاعتراض يعكس جهلًا بوظيفة النص الديني، الذي لم ينزل ليكون موسوعة علمية أو سجلًا تاريخيًا للكائنات، بل هداية للإنسان وتقويمًا لسلوكه وبصيرته في الوجود.

ويرى الكنبوري أن هذا المنطق هو نفسه الذي يتكرر في الخطاب الإلحادي العربي، حين يُسأل: لماذا لم يذكر القرآن السيارة أو الدولة الحديثة أو النظم السياسية المعاصرة؟ وهو سؤال، بحسبه، يكشف تصورًا ساذجًا للوحي، وكأن الخطاب الإلهي موجّه لعقول عاجزة عن الفهم والاستنباط.

العلم بلا سببية… تناقض صارخ

وينتقد المفكر المغربي ما اعتبره مفارقة لافتة في خطاب الإلحاد، حين يتم الحديث عن “خلق” الإنسان للطائرة والسيارة، في تعبير لغوي ومعنوي لا يستقيم مع أبسط قواعد العقل. فالصناعة، في التصور الإسلامي والعقلي السليم، لا تنفصل عن قوانين كونية سابقة على الإنسان، من جاذبية وهواء ونُظم دقيقة أودعها الله في الكون.

ويؤكد الكنبوري أن تجاهل قانون السببية، وهو من ركائز التفكير العقلي، يُفرغ الحديث عن العلم من مضمونه، ويحوّل “العقل” إلى مجرد شعار يُرفع عند الجدل، ثم يُعطّل عند التأمل في الخلق والنظام.

وصف قرآني دقيق للحالة

ويخلص الكاتب إلى أن هذا النمط من التفكير ينسجم مع الوصف القرآني لمن يعطل أدوات الفهم والبصيرة، معتبرًا أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في الدين، بل في خطاب يدّعي العقلانية، بينما يبدأ أولًا بإقصاء العقل نفسه، ويقيس الغيب والوحي بمقاييس مادية قاصرة عن إدراك المقاصد والسنن الإلهية.