الأمن والأمان المزعومان!!!
هوية بريس – أنس لحلو
كثر الكلام في هذه الآونة الأخيرة عن الأمن والأمان وهما مطلبان شرعيان لا يختلف حولهما اثنان إلا من انتكست فطرهم وغاب عقلهم.
لكن السؤال المطروح هو كيف السبيل إلى تحقيق هاذين المقصدين الجليلين؟!
طرحت هذا التساؤل لأنه ظهرت بعض المقالات والتأصيلات مفادها لزوم السكوت في كل وقت وحين وإن تعرض أحدهم لدين الإسلام أو تهجم على ثوابتنا ومقدساتنا، لا بل حتى لو تعلق الأمر بسب ربّ البريات أو انتقاص خير الخلق عليه أفضل الصلوات، كل هذا باسم الحكمة والتعقل وعدم التهور!!
فهل يفهم من له مسكة من علم أن تحقيق الأمن والأمان في بلاد الإسلام يكون بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطمين الناس، والسكوت عن الزيغ والضلال، وعن تعطيل شريعة الرحمان، حتى تلتبس الأمور على عامة المسلمين فلا يفرقون بين الهدى والنور؟!!
يقول المفتي السابق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز رحمه الله:
“فمن استقام على أمر الله، وطبق حقه سبحانه وتعالى، وأنصف المظلوم من الظالم، وأقام الحدود في ولايته، صارت بلاده في أمن وأمان، وراحة وطمأنينة، وحياة كريمة، تحقيقاً لما وعد الله به عباده سبحانه وتعالى، وهو الصادق في وعده جل وعلا، ومتى أخلوا بذلك، ولم ينفذوا أمر الله، بل تساهل حكامهم بشريعة الله، ولم ينفذوا ما يجب من الحدود والتعزيرات الشرعية أصابهم في بلادهم من الخلل والضعف، واختلال الأمن ووجود الخوف والقلق بحسب ما عندهم من تضييع أوامر الله، وبحسب ما ضيعوا من إقامة حدود الله”.
والنصوص في هذا المعنى مستفيضة لمن كانت له بصيرة..
فأين هذه المعاني في كلام هؤلاء وتقريراتهم!! نعم نحن مع الاستقرار وضد الفوضى ودعاوى الجاهلية.. فالإسلام يحكمنا والقرآن يجمعنا ويحفظنا.. لكن إن نحن تمسكنا به وبتعاليمه وحكمناه في أنفسنا وفي أسرنا وحللنا حلاله وحرمنا حرامه وأقمنا حدوده وألزمنا الأمة بأحكامه في مؤسساتنا ومحاكمنا وفي اقتصادنا وأخلاقنا وفي كل مناحي حياتنا..
فإذا غيبنا هذه المعاني وأردنا تحقيق الأمن والأمان على حساب ديننا ومصدر عزنا ألا وهو كتاب ربنا، وسكتنا عن الضلالات والمنكرات والكفريات بحجة ترك الفتنة، فإن هذا الأمن إلى زوال.. يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوف وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيَعُمُّكُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ“.
فأي أمن وأي أمان ونحن لازلنا نقيم مواسم الشرك وعبادة القبور ونحارب الدعاة والعلماء ورثة الأنبياء؟! أي أمن وأي أمان ونحن نعلنها حربا على الإسلام (ضد أسلمة المجتمع) ونمكن للعلمانية وإقصاء الدين عن جميع مناحي الحياة؟! أي أمن وأي أمان وما منعنا الربا والزنا والعري والخمر والميسر؟! أي أمن وأي أمان وقد عطلنا الحدود الشرعية فما ارتدع السراق والقتلة وقطاع الطرق ولا انزجر الزناة والمخمورون؟! أي أمن وأي أمان وما حَاكمنا المتطاولين على شرع ربنا وهم ينادون بتبديل أحكامه ويطعنون في ثوابته؟! فهذا ينادي بتغيير أحكام الإرث، وذاك ينادي بإباحة الزنا وعدم تجريمه، والآخر ينادي بإباحة الإفطار في رمضان علانية، بل وإباحة الردة والخروج عن الإسلام! حتى طلع علينا آخرهم وتطاول على رسولنا وحبيبنا محمد أشرف الخلق صلوات ربي وسلامه عليه ولا مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة تحركت لمحاسبة هذا الزنيم!!
فهل بعد هذا كله نأمن على استقرارنا وطمأنينتنا؟!! ثم هل يكون الأمن والأمان على حساب جماجم الأطفال في بورما وسوريا وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين؟! وهل يكون الاستقرار على حساب أعراض العفيفات في العراق والشام ومصر؟! وكأنه لا دخل لنا في كل ما يحصل للمسلمين وكأن مفهوم الأمة الواحدة صار في خبر كان وأن الوطن فوق كل اعتبار حتى صرنا نعقد عليه الولاء والبراء بلا ورع ولا استحياء!!
فهل هذا هو الاستقرار المطلوب والأمن المرغوب؟!! كلا وألف كلا..!! إنه استقرار كاذب وأمن زائل.. وهل سقطت الخلافة العباسية إلا وهي بلدة مطمئنة تعيش في رغد وطيب رزق، لكنها خذلت المسلمين في بقاع الأرض فأذاقها الله لباس الخوف وألوان من العذاب؟!.. وهل استعمرت بلدان المسلمين إلا وهي مستقرة يأتيها رزقها من كل مكان لكنها أعرضت عن دين الله فاستبيحت أرضها وهتكت أعراضها؟!
وأخيرا أقول، لا يزايد علينا أحد في استقرار بلادنا الحبيبة، وأننا ضد كل زعزعة ودعوة جاهلية وضد كل تخريب وفتنة، لكن في المقابل لن نقبل أن نكون أبواقا للباطل، ساكتين عن الحق، مبررين لكل ضلال وانحراف، كل هذا باسم السنة والإتباع وترك الفتنة والابتداع؛ ولأصحاب هذه الدعوات أسوق كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول فيه: “وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظناً أن ذلك من باب ترك الفتنة”. وكفاهم ذما أن قرنهم هذا الإمام بأهل الفجور تنقيصا وتنفيرا منهم وذلك لشناعة فعلهم.