مؤدو قسم الولاء والطاعة هل يوفون به؟؟!
هوية بريس – د. محمد وراضي
لن نتحدث هنا عن الاقتصاد والاجتماع والمال. ولا عن التجارة بيننا وبين مختلف دول العالم. ولا عن الواردات ولا عن الصادرات… ولا عن التبادل الفني والأدبي والعلمي والرياضي بيننا وبين غيرنا من الدول الشقيقة والصديقة. وإنما نتحدث عن قسم تعود المغاربة سماعه منذ مطلع الاستقلال حتى اللحظة الراهنة! مع ما يرافقه من حركة يترجم بها أصحابها عن شدة الاحترام والولاء والتعلق. والحال أن هذا الثالوث، لا نميز فيه بين ما هو لله، وما هو للوطن، وما هو للملك؟ لأن حركة ترجمته ظاهرية. أما سرائر الوزراء والسفراء والولاة أو العمال، فلا يعلم المضمر فيها غير الله عز وجل. لكنه سبحانه يكشف لنا -كتنبيه منه وكإنذار- عما نعجز نحن عن الكشف عنه، لمجرد أداء القسم الذي لا نرى أنه دينيا من لوازم تسلم زمام إدارة أمر ما من الحاكم الأكبر لأي بلد مسلم على وجه التحديد؟
فقد كان رسول الله يبعث البعوث، ويعين الأمراء في حالتي الحرب والسلم، كما يعين الولاة أو العمال دون أن يلزم أيا منهم بأداء قسم الولاء والطاعة؟ فعنده أن طاعة الله ورسوله أداتان، أو وسيلتان كافيتان لاستقامة ولاة الأمور في أداء ما عليهم من واجبات، مصدرها الدين أولا، ثم العقل ثانيا متى جد جديد لم يوجد بخصوصه، لا نص قرآني، ولا نص حديثي يتناوله. فلزم حينها -بأمر نبوي- توظيف الفكر لإيجاد حل مناسب له، داخل المنظومة العامة للدين، التي نلخصها في بذل كامل الجهد لجلب المنافع ولدفع المضار.
لن نسأل هنا عمن أحدث قسم الولاء والطاعة؟ أو نسأل عمن أحدثوه إن نحن رغبنا في تخطي خبر الآحاد إلى التواتر. وفي الحالتين كلتيهما ننظر إلى تسلم السلطة بالكيفية المشاعة في حاضرنا الماثل، وكأنه بدعة لا سنة؟ إذ كل ما هو مخالف لسنة رسول الله كذلك. تعلق الأمر بالمعتقدات، أو تعلق بالعبادات، أو تعلق بالمعاملات وبالسلوكيات الأخلاقية على وجه الخصوص وعلى وجه العموم.
ولندخل قسم الولاء والطاعة قسرا في إطار ما عرف فقهيا بـ”المصالح المرسلة” التي تعني كونها مطلقة وغير مقيدة؟ أو ندخله في إطار ما عرف بـ”الاستحسان” كأصل من أصول التشريع لدى بعض الفقهاء والأئمة. ولو أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله يقول: “من استحسن فقد شرع”؟
وبما أن الحكام قد استحسنوا ما علينا النظر في عواقبه. فلا نملك غير متابعة من أدوا القسم ذاك في الواقع الذي سوف يبرهن من تلقاء نفسه، عما إذا كانوا فعلا مخلصين، أم إنهم لم يكونوا كذلك، لا في الماضي البعيد، ولا في الحاضر المشهود، الذي نحن وأبناؤنا وأحفادنا من المنتمين إليه. مع التذكير بأننا منذ الاستقلال حتى كتابة هذه السطور على الأقل، عرفنا -كمغاربة- مرحلتين: مرحلة الحكومات العلمانية المتعاقبة. ومرحلة الحكومة الإسلامية التي دشن رئاستها من ربطتني به علاقة وطيدة قبل استوزاره؟ يعني أنه لن يستطيع -مهما يكن دهاؤه السياسي- إرغام العلمانية على الركوع! أمام ما يعتز به الشعب المغربي من أصول ومن منابع ثرة لإشباع ما يلزمه من ماديات ومن معنويات؟ إذ لو اتضح له ما تعنيه العلمانية عند “الأقلية الخادعة” ما تحمل ما حل به من كذب الحكام في كل ما يتعلق بالدين! وفي كل ما يتعلق بأساليب إدارة الشأن العام! إنه لا يزال منخرطا بنصيب وافر رفقة عناصر من حزبه في الإبقاء على العمل بالفكر الظلامي الديني! وبالفكر الظلامي السلطوي والسياسي والحزبي؟
فـ”أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا لديني”، عبارة رددها رؤساء الوزراء والوزراء قبل عبد الإله بنكيران؟ ورددها بنكيران والوزراء الذين تحملوا معه مرحلة من العهد الجديد، المنتهية بانتخابات 7 أكتوبر 2016م. ويبدو في الأفق أنه سوف يتحمل مسؤولية الحكومة المقبلة بمساعدة من سوف يجري تعيينهم على رأس وزارات متعددة، وإن لم يكونوا متناغمين مع فلسفة حزب العدالة والتنمية ؟
لقد أدى، وأدى معه الوزراء قسم الولاء والطاعة في أول حكومة ترأسها. وسوف يؤدي ويؤدون معه نفس القسم حين يتم تنصيب الحكومة المتوقعة التي سوف تظل كسابقاتها حامية للفكر الظلامي الديني؟ كما سوف تظل حامية إلى حد بعيد للفكر الظلامي السلطوي والسياسي والحزبي؟
ومتى استقصينا الممارسات السياسية لوزراء الأوقاف ووزراء الإعلام ووزراء الداخلية، وقبلهم وبعدهم ممارسات رؤساء الحكومات المغربية منذ عام 1956م حتى الآن، فما الذي نجده في ملفاتهم، ونحن نبحث عن صلتهم بالدين كحكام أو كأولي الأمر بالتعبير القرآني؟
هل قام أي وزير للأوقاف والشؤون الإسلامية بخطوة تقدمية انتقادية إصلاحية، لإحداث تغيير جذري ديني، من شأنه أن يحرر عقول الشعب المغربي من الفكر الظلامي الديني، مجسدا في القبورية والطرقية البغيضية؟ هل قام أي واحد منهم باستبعاد الفكر البدعي عن الدين حتى يصح الحديث فعلا عن كوننا مالكيين سنيين؟ أم إن تعميق جذور هذا الفكر الظلامي في النفوس، هو الذي تولى وزراء الأوقاف عندنا أداءه بامتياز يشكرون عليه من طرف الدولة العميقة لا من طرف المسلمين المتحررين فعلا من ظلاميات الدين المحدثة، وإن لم يستطيعوا التحرر من ظلاميات العلمانيين؟
يجري الحديث هذه الأيام عن السلفية الوطنية التي تدعي جهات حزبية بأنها مذهبها السياسي! وتدعي بأن اعتمادها عليه، اختيار للوطنيين الأوائل نظير: محمد بن العربي العلوي. ومحمد علال الفاسي. ومحمد الحجوي وزير المعارف الأسبق. ومحمد المختار السوسي. هؤلاء الذين واجهوا الطرقية والقبورية بصرامة لا نملك غير الإشادة بها؟
ونذكر هنا كيف أن سلفيين وطنيين، كانا لفترة وزيرين للأوقاف. إنهما محمد علال الفاسي ومحمد المختار السوسي. لكن الذي يجهله جل المثقفين في بلدنا هو أن الرجلين غرقا في الفكر الظلامي الديني حتى الأعماق؟؟؟
فإن ادعى علال الفاسي أن جده يتكلم من قبره! حسب شهادة صاحب كتاب “التاريخ المفترى عليه في المغرب” رحمه الله، فإن هذا الذي ادعاه يؤكده لنا بكل وضوح محتوى كتاب علال الفاسي الذي يحمل عنوان “التصوف الإسلامي في المغرب”، والذي أعده للطبع عام 1998م: عبد الرحمان بن عربي الحرشي. إذ في الكتاب من الأضاليل والأباطيل ما تنفر منه المرجعية الإسلامية المجردة من المبتدعات أيما نفور؟؟؟
أما محمد المختار السوسي، فأغرق من علال الفاسي في الفكر الظلامي الديني! فليراجع من يريد التأكد مما ندعيه كتابه “الترياق المداوي”، حيث أورد فيه لوالده 50 كرامة، من ضمنها إحياء الموتى!!! كما قدم له في الجزء الأول من المعسول ص:225. هذا الادعاء الذي لم يحصل، لا لأبي بكر، ولا لعمر، ولا لعثمان، ولا لعلي، ولا لأي صحابي آخر، بل وحتى لابنته فاطمة الزهراء؟ فقد قابل علي الدرقاوي النبي صلى الله عليه وسلم “في اليقظة قبل فجر اليوم الثاني لعيد الأضحى سنة 1301ه فقال له: “أعطيتك الإذن العام والخاص”؟ وهو نفس ما ادعاه حمزة البودشيشي في مقابلة له مع أحد الصحفيين!!! وروى السلفي المفترض محمد المختار السوسي في كتابه المذكور قبله عن والده قوله: “إني والحمد لله أستفتي ص في كل مشكل عن لي، فإنه يحضر فيجيبني في اليقظة”؟ وزاد ولده الطين بلة في نفس المرجع عندما قال: “وقد أخبرني كثيرون من أفذاذ أصحابه أنهم يجتمعون به كذلك في اليقظة” (يقصد بالنبي ص)؟؟؟
ولم يكن صاحب “المعسول” ليوظف عقله عندما روى عن مريد تابع لوالده قوله: ” أتينا بالحبال لنجر البغلة وهي ميتة قطعا، فإذا بالشيخ أتانا فقال: كلا إنها غير ميتة، ثم صار يستديرها ويركلها برجله حتى قامت! وكان سيدي أحمد الفقيه يقول: يحسب الشيخ أننا بله، لا نعرف الميت من الحي. فأراد أن يخفي الكرامة عنا”!!!؟؟؟
لكن الخرافات والضلالات والأكاذيب التي تحملها كتب نظير “الترياق المداوي” و”رسائل مولاي العربي الدرقاوي”. و”جواهر المعاني” للتجاني. وظف المخزن من يتولى الدفاع عنها باسم خدمة الدين الرسمي للمملكة! وكأن التضليل مهنة يتقاضى أصحابه رواتبهم الشهرية وعلاوات، كلما أتقنوا تمرير الأوهام بأسلوب مؤثر جذاب إلى عامة المستمعين والمشاهدين! بحيث إنهم يقومون بدور تبرير الاشتغال بالفكر الظلامي الديني الداعم للفكر الظلامي السلطوي والسياسي! كانت الحكومة التي ترعى الفكرين الظلاميين علمانية؟ أم كانت إسلامية؟ بينما الواقع الذي لا تنطلي حقيقته على أولي الألباب، لا يقدم لنا غير صورتين متطابقتين للحكومات المتعاقبة بالمغرب! نقصد حكومات علمانية بوجه ما قبل بنكيران! وحكومة علمانية بوجهه هو ورفاقه الذين سوف يسألون غدا بين يدي الله مثل سابقيهم عن القسم الذي أدوه دون أن يوفوا به! وخاصة منه ما يتعلق بالإخلاص للدين “أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا لديني”؟؟؟ وللعلماء الرسميين وغير الرسميين أن يصدروا فتوى في موضوع من يقسمون بالله، ثم لا يوفون بما أقسموا عليه؟؟؟